الاستحباب بالتقريب الذي قدّمناه فلا يصح الاستشهاد نظرا إلى وجوب الأخذ بالمشهور وترك الشاذ تصدّى المصنّف رفع الله في العليّين رتبته لرفع هذا الإشكال بالتوفيق بينهما بأنّه إذا استحب التوقف والاحتياط في المشتبه بين الحلال والحرام كما قدّمناه أو كان ذلك راجحا مطلقا على ما قرّره المصنف رحمهالله من حمل الأمر على الإرشاد من دون اشتمال أحد طرفي الشبهة على مرجّح معتبر تفصيا عن الوقوع في مفسدة الحرام الواقعي كان طرح الشّاذ واجبا لوجوب التحري عند تعارض الخبرين لتحصيل الأقرب إلى الواقع والأبعد عن الريب إذ لو قصّر في ذلك احتمل أن يكون قد أخذ بغير ما هو الحجّة له فيكون الحكم به حكما بغير الطّرق المقرّرة له من الشّارع وهذا من قبيل الاستدلال بالمساواة لا بالأولوية كما زعمه المحقق القمي رحمهالله لأنّ استحباب التّوقف في المشتبه بالحلال والحرام مع عدم رجحان أحد الطرفين لا يثبت وجوبه بالأولويّة في المرجوح وهو الشّاذ النادر نعم لو ثبت وجوبه في الأوّل ثبت ذلك في الثّاني أيضا بطريق أولى والفرض خلافه ومع تسليم ظهور النبوي في وجوب الاحتياط لا بدّ من رفع اليد عنه للأخبار التي نقلها المصنف رحمهالله لكونها أظهر منه في إرادة الاستحباب ومع التّسليم فهو معارض بالأخبار الدّالة على التخيير في تعارض النّصين بناء على كون الشّبهة أعم من أن تكون ناشئة من فقد النصّ وإجماله وتعارضه ولذا استشهده الإمام عليهالسلام في تعارض النّصين ومع التسليم أيضا يأتي فيه جميع ما أجيب به عن أخبار التوقف كلّ على حسب زعمه ومع تسليمه أيضا تعارضه مرسلة الفقيه كلّ شيء مطلق حتّى يرد فيه نهي معتضدة بغيرها من أخبار البراءة ومع التساقط يرجع إلى أصالة الإباحة في الأشياء هذا إن قلنا بتواتر الأخبار من الطّرفين وإلاّ فلا بد من الرّجوع إلى المرجّحات وحينئذ إن لم نقل بالتّرجيح بموافقة الأصل فلا ريب في كون الشّهرة العظيمة المحقّقة مرجحة لأخبار البراءة فيجب الإذعان بمقتضاها والله أعلم بحقائق أحكامه (قوله) أحدهما أنا نعلم إجمالا إلخ هذا الدّليل مركّب من مقدّمات إحداها العلم إجمالا بوجود محرّمات في الواقع الثّانية وجوب الانتهاء عنها في الجملة الثالثة كون الانتهاء عنها على وجه اليقين دون الظنّ والاحتمال والأولى ثابتة بالضّرورة والثانية بالآية الشّريفة والثالثة بإجماع المجتهدين والأخباريين وحينئذ يشكل الأمر بعدم ثبوت شيء من هذه المقدّمات بالعقل فكيف سمّي الدّليل المركّب منها عقليّا ويمكن دفعه بأنّ مقصوده من الاتفاق ليس إثبات المقدّمة الثالثة بالإجماع المصطلح بل بحكم العقل المتفق عليه بين المجتهدين والأخباريين نعم كان الأولى في المقدّمة الثّانية أيضا التمسك بالعقل لأن مقتضى الآية لا يزيد على ما يستقل به العقل من وجوب إطاعة المولى ليكون تمام الكبرى ثابتا بالعقل وحاصل هذا الدّليل كون المقام من قبيل شبهة الكثير في الكثير التي هي في حكم الشبهة المحصورة(قوله) قلت إن أريد من الأدلّة إلخ حاصل الجواب أن رجوع العلم الإجمالي الحاصل قبل المراجعة إلى الأدلّة إلى علم تفصيلي وشكّ بدوي بعد الرّجوع إليها إنّما يتم بوجهين أحدهما أن تكون الأدلّة مفيدة للقطع بالواقع الثّاني أن يكون التّكليف في الواقع متعلّقا بما أدّى إليه الطّرق الظّاهريّة لأنّ مقتضى ذلك عدم التكليف في الواقع في الموارد الخالية من الطّرق الظّاهريّة والأوّل باطل بالوجدان باعتراف من الأخباريّين أيضا لأنهم وإن زعموا قطعيّة الأخبار سندا إلاّ أنّهم اعترفوا بظنيتها دلالة وما حكي عن الأمين الأسترآبادي من قطعيّتها مطلقا كما ترى والثّاني مستلزم إمّا للتّصويب نظرا إلى دوران المطلوبيّة الواقعيّة والفعليّة مدار ظنّ المجتهد أو ما يشبهه بناء على كون التّصويب عبارة عن كون الحكم الواقعي من رأس تابعا لظنّ المجتهد والفرض في المقام تحقّق وجود واقعي للأحكام الواقعيّة في الجملة إلاّ أنّ توقف المطلوبيّة على ظنّ المجتهد جعل ذلك شبيها بالتّصويب لعدم توقّف المطلوبيّة الواقعيّة عليه على القول بالتخطئة وإن توقف تنجزها عليه وبعبارة أخرى أن لازمه القول بأن الشارع قد جعل في الواقع حكما ناشئا من ملاحظة مصلحة أو مفسدة إلاّ أن محبوبيّة هذا الحكم ومطلوبيّته له في الواقع والظاهر كانت مشروطة بظنّ المجتهد لا أن يكون ظنّه سببا لجعله في الواقع كما ظنّه أهل التصويب وبعد بطلان الوجهين يظهر أنّ معنى اعتبار الأدلّة تنزيل مؤدّياتها بمنزلة الواقع بحكم الشّارع بمعنى المعذوريّة في العمل بها على تقدير تخلفها عنه لا حصر الواقع في مؤدّياتها حتّى يدعى انحلال العلم الإجمالي بعد مراجعة الأدلة بحكم الشّارع إلى علم تفصيلي وشك بدوي ولكنّك خبير بأنّه إن تمّ هذا الدّليل العقلي لدل على وجوب الاحتياط في الشبهات الوجوبيّة أيضا وهو خلاف ما اتّفق عليه المجتهدون والأصوليّون ودعوى أنها خارجة من مقتضى الدّليل بالإجماع لجوز اقتناع الشّارع بالموافقة الاحتماليّة عن الواقع فلا يرد عدم جواز تخصيص الدّليل العقلي مدفوعة بمنع الإجماع أوّلا ومنع حجيّته عند الأخباريين ثانيا(قوله) والجواب أولا منع تعلق إلخ حاصله أنّ مقتضى تعلّق التكليف بالواقع كما هو مقتضى الخطابات ونصب الطّرق الظّاهريّة إليه هو عدم تعلّق تكليف غير القادر على العلم إلاّ بما أدّت إليه الطّرق الظّاهريّة بمعنى عدم تنجّز التكليف بالواقع إلاّ على حسب تأدية الطّرق الظّاهريّة لا بالواقع مطلقا لمنافاته لنصب الطرق الظاهريّة ولا بمؤدّى الطرق كذلك بحيث ينقلب التّكليف إليه لاستلزامه التّصويب أو ما يشبهه كما عرفته في الحاشية السّابقة ولا ريب أنّه مع اشتراط تنجز الأحكام الواقعيّة بتأدية الطّرق الظّاهريّة إليها في حق غير القادر على تحصيل العلم بالواقع كانت الموارد الخالية منها مجرّدة عن العلم الإجمالي وأنت خبير بأنّ هذا الجواب مبني إمّا على القول بعدم تأثير العلم الإجمالي في إثبات التّكليف أصلا وإمّا على القول بعدم تأثيره في إثبات وجوب الموافقة القطعيّة وإن قلنا بجواز المخالفة الاحتماليّة وكل منهما خلاف مذهب المصنف قدسسره ولذا يقول بوجوب الاحتياط فيما دار الواجب بين أمرين بعد العلم بأصل الوجوب في الجملة كالظّهر والجمعة والقصر والإتمام في بعض الموارد مع أنّ مقتضى ما ذكر هو القطع بعدم التّكليف في الموارد الخالية من الطّرق الظّاهريّة لا الشك فيه كما هو مقتضى