فيكون معلوما لا مشكوكا ومن هنا يندفع ما يمكن أن يقال من أنّه لو دلّ النبوي عليه لزم من وجوده عدمه وهو محال لأنّ دلالته عليه إنّما هي من جهة أنّ في ترك الاحتياط ريبة فيجب فعله دفعا للرّيبة مع أن في إيجابه أيضا ريبة فيلزم أن لا يجب بمقتضى النبوي لأنّ وجود ريب في إيجابه إنّما هو مع الغض عن دلالة النبوي عليه وإلاّ فمع دلالته عليه فلا ريب فيه أصلا (قوله) وجه الدّلالة أنّ الإمام عليهالسلام حاصله أنّ المراد بالمجمع عليه هو المشهور والمراد بنفي الرّيب عنه نفيه بالإضافة إلى الشّاذّ النّادر والمقصود إثبات رجحان للمشهور بالنّسبة إلى الشّاذ النّادر مع إثبات ريب في الجملة فيه لا نفي الرّيب عنه رأسا حتى يكون داخلا في بيّن الرّشد والشّاذ النّادر في بيّن الغيّ لأجل عدم الرّيب في بطلانه وإلاّ لم يكن معنى لتأخير الترجيح بالشّهرة عن التّرجيح بالأعدليّة وغيرها لأنّ ظاهر ذلك عدم الاعتداد بالشّهرة مع وجود أحد المرجحات المتقدّمة عليها في الرّواية ولا لفرض الرّاوي الشّهرة في كلا الخبرين كما هو واضح ولا للتّعليل بتثليث الأمور إذ يلزم عليه أن يكون ما عدا بيّن الرّشد من بيّن الغيّ سواء كان معلوم الحرمة أم كان من المشبّهات وبالجملة أنّ النّاظر يقطع بكون الشّاذ النّادر داخلا في الأمر المشكل الّذي يردّ علمه إلى الله وفي الشّبهات الّتي من تركها نجا من المحرّمات والمراد بالشّبهات في النبوي إما هي الشبهات الحكميّة أو هي مع الشّبهات الموضوعيّة لعدم إمكان حملها على بيان الشّبهات الموضوعيّة خاصّة لمنافاته لمساق الرّواية لأنّ السّؤال فيها إنّما هو عن تعارض الخبرين وعلاجه ولا تعلق له بالشّبهة في الموضوع الخارج ولعلّه لوضوح هذه المقدّمة لم يتعرض لها المصنف رحمهالله في بيان تقريب الاستدلال والمراد بتركها هو تركها على سبيل الوجوب دون الاستحباب إذ لا ريب في وجوب العمل بالمرجّحات المذكورة الّتي منها الشّهرة وعلّل الإمام عليهالسلام ذلك بتثليث الأمور بإدخال المشهور في بيّن الرّشد والشاذّ النّادر في الأمر المشكل مستشهدا النبوي بذلك فلو لم يكن المراد بترك الشّبهات فيه تركها على سبيل الوجوب لم يبق وجه للاستشهاد به لوجوب ردّ علم الأمر المشكل إلى الله ورسوله صلىاللهعليهوآله مضافا إلى قوله صلىاللهعليهوآله نجا من المحرّمات وقوله هلك من حيث لا يعلم وهذا توضيح ما ذكره المصنف رحمهالله من تقريب الاستدلال وهو المستفاد أيضا من كلمات غيره من العلماء ويمكن أن يستدلّ على المقام بقول الصّادق عليهالسلام وأمر مشكل يرد علمه إلى الله ورسوله صلىاللهعليهوآله مع قطع النّظر عن النبوي نظرا إلى كون الشّبهة في الحكم من الأمور المشكلة الّتي يجب ردّ علمها إلى الله ورسوله ومعنى ردّه إليهما هو التّوقف والسّكون وعدم المضي في الفعل وهو معنى الاحتياط ولكن يرد عليه أنّ الظّاهر أن المراد برد علم الأمر المشكل إلى الله ورسوله صلىاللهعليهوآله ليس بيان حكم ظاهريّ له لأنّ الظاهر أن المقصود من التّعليل بتثليث الأمور بيان أنّ منها ما هو بيّن الرّشد بحسب الواقع مثل الصّلاة والزّكاة والخمس الّتي علم وجوبها بحسب الواقع ومنها ما هو بيّن الغيّ كشرب الخمر الّذي علمت حرمته كذلك ومنها ما هو مشتبه الحكم بحسب الواقع وهو الأمر المشكل الذي يجب ردّ علمه إلى الله ورسوله صلىاللهعليهوآله وإن كان ملحقا بأحد الأوّلين عند قيام أمارة ظاهريّة عليه كالشّهرة الّتي ألحقت المشهور في مورد الرّواية بما هو بيّن الرّشد فالمقصود بالأمر المشكل ما أشكل فيه الأمر من جهة حكمه الواقعي وإن علمنا فيه بمقتضى الأمارات والأصول ويردّ علمه إلى الله ورسوله صلىاللهعليهوآله هو التّوقف من جهة حكمه الواقعي لا إنشاء حكم ظاهري له وإلاّ فلا يناسبه وقوع خبر التثليث تعليلا للترجيح بالشّهرة وطرح الشّاذّ النّادر لكون المشهور حينئذ من باب بيّن الرّشد والشاذّ النّادر من باب بيّن الغيّ وعلى ما ذكرناه فالمشهور من الأمر المشكل بحسب حكمه الواقعي ومن بيّن الرّشد بحسب الظاهر وفي مقام العمل وأمّا الشّاذّ النّادر فهو من الأمر المشكل مطلقا فتدبّر ثمّ إنّ صريح المصنف رحمهالله دخول الشّاذ النّادر في الأمر المشكل واستبعده صاحب الفصول نظرا إلى أنّ المشهور إذا كان من باب بيّن الرّشد فمقتضى المقابلة أن يكون الشاذ النّادر من باب بيّن الغيّ لا من الأمور المشكلة والمشتبهة ثمّ قال والتّحقيق أنّ مراده عليهالسلام أنّ الحكم المستفاد من الرّواية الّتي يشهد بجواز العمل بها المرجح المعتبر كالمرجّحات المذكورة في الرّواية من باب بيّن الرّشد ولو بحسب الظّاهر وأنّ العمل بها كذلك وأنّ الحكم المستفاد من الرّواية الفاقدة له مع معارضتها لما اشتمل عليه من باب بيّن الغيّ ولو بحسب الظّاهر وأنّ العمل بها كذلك وأنّ المستفاد من رواية لا علم للعامل بها بأنّها من أيّ النّوعين بجهله بحكم المرجّح من المشكلات الّتي يجب الرّدّ فيها إلى الشّارع وأنّ العمل بها كذلك وعلى هذا فالظّاهر من الحلال البيّن والحرام البيّن ما تبيّن جواز العمل به وعدم جوازه وبالشّبهات ما لم يتبين فيه شيء منهما وحينئذ فلا كلام في وجوب التجنب عن الشّبهات بهذا المعنى انتهى وهو جيّد وما قدّمناه من تقريب الاستدلال وغيره مبني على ما ذكره المصنف رحمهالله وما استشهده المصنف رحمهالله بدخول الشّاذ النّادر في الأمر المشكل دون بيّن الغي إنّما يرد لو قلنا بدخوله في الثّاني حقيقة لا بحسب الظّاهر إذ لا ريب أنّ دخوله فيه كدخول المشهور في بيّن الرّشد بحسب الظاهر لا ينافي تأخر التّرجيح بالشهرة عن سائر المرجّحات بحسب الشّرع ولا لفرض الشّهرة في كلا الخبرين لجواز تعارض الأمارات الظاهريّة ولا لتثليث الأمور كما هو واضح ممّا ذكره صاحب الفصول وسيجيء زيادة توضيح للمقام في بعض الحواشي الآتية(قوله) النبويّ المروي إلخ هو خبر جميل عن الصّادق عليهالسلام (قوله) وكذا مرسلة الصّدوق يعني الآتية (قوله) فيكفي حينئذ في مناسبة إلخ سيجيء توضيح ذلك في ذيل بيان ما يتعلق بالمؤيد الثّاني (قوله) من الشارع فتأمّل لعلّ الأمر بالتأمّل إشارة مضافا إلى بعد ما ذكره من المناسبة عن ظاهر الرّواية إلى عدم صحّة حمل الأمر بترك الشبهات هنا على الإرشاد وإن قلنا بذلك في أخبار التّوقف ووجه الفرق أنّ الأمر بالتّوقف هناك قد علّل في بعض تلك الأخبار بكون ارتكاب الشّبهة اقتحاما في الهلكة والهلكة عنوان عام شامل للعقاب الأخروي وما سواه من المفاسد وحينئذ يصحّ أن يقال أنّ الأمر بالتّوقف إنّما هو للإرشاد إلى التحرز عن هذه الهلكة المحتملة فإن كانت الهلكة المحتملة في مورد الشّبهة هو العقاب الأخروي كما في العقائد ومورد تنجز التّكليف لأجل العلم الإجمالي أو عدم معذورية المكلّف لأجل تمكنه من الفحص وإزالة