بل هو رفع الخطاب بمعنى عدم توجيهه على وجه يشمل موارد الأشياء التّسعة إمّا بعدم إرادة مواردها من الخطابات المثبتة للتكاليف على وجه الإطلاق وإمّا بتوجيه الخطاب على وجه يختص بغيرها مع قيام المقتضي للإطلاق ويترتّب عليه ارتفاع الاستحقاق والمؤاخذة والمراد برفع المؤاخذة في كلماتهم هو ما ذكرناه عبّر به عنه مسامحة لكون المقصود الأصلي في موارد أصل البراءة هو ذلك لا ارتفاع الخطاب سيّما وأنّ العقل لا يحكم في مواردها بأزيد من ذلك ومن هنا يظهر وجه دلالة حديث الرّفع على ردّ القول بالاحتياط لأنّه مع فرض دلالته على عدم توجيه الخطاب على وجه يوجب الاحتياط في موارد الشك في التكليف كما صرّح به المصنف رحمهالله يكون هذا الخبر معارضا لما دل على وجوب الاحتياط فيها فلا بد حينئذ من إجراء حكم التعارض عليها فهو نظير قوله عليهالسلام كل شيء مطلق حتّى يرد فيه نهي في ظهور الدّلالة على عدم وجوب الاحتياط وإنّما صرّح المصنف رحمهالله بكونه أوضح من جميع الأخبار المستدل بها للمقام مع عدم قصور حديث الرّفع عنه في الدّلالة لما تقدّم من استشكاله في شموله للشبهات الحكميّة الّتي هي محلّ الكلام في المقام ولكنّا قد أسلفنا ما يناقش فيه أو يمنعه فراجع واعلم أنّه على المقام إشكال وهو أنّ قول المصنف رحمهالله فإذا فرضنا أنّه لا يقبح في العقل إلى آخر ما ذكره ينافي استقلال العقل بقبح التّكليف بلا بيان كما هو مدرك أصالة البراءة إذ لا ريب في منافاته لعدم قبح توجيه الخطابات الواقعيّة على وجه يشمل موارد الشّبهات البدويّة ويقتضي وجوب الاحتياط فيها إذ مقتضى القضيّة الأولى هو قبح توجيه الخطابات الواقعيّة على الوجه المذكور ومقتضى الثّانية هو عدم قبحه وحيث كان قبحه مسلما فلا يصحّ أخذ الرّفع في الخبر أعمّ منه ومن الدّفع (قوله) وكذلك في الجزء المنسي فتأمّل لعلّ الأمر بالتّأمل إشارة إلى كون الشّرطية والجزئيّة وغيرها من الأحكام الوضعيّة على ما اختاره المصنف رحمهالله تبعا للمحقّقين من العلماء أمورا اعتباريّة فلا يرتفع بحديث الرفع ومع تسليم كون أحكام الوضع مجعولة فلا ريب أنّ الجزئيّة ليست منها إذ المسلم منها الشّرطيّة والمانعيّة والسّببيّة خاصة أو هي مع الصّحة والبطلان وفيه أنّها وإن كانت أمورا اعتباريّة إلا أنّها منتزعة من الأحكام الطّلبيّة ولا ريب في ارتفاع الأحكام الطلبية بسبب الخطاء والنّسيان مثلا فيتبعها ارتفاع ما ينتزع منها لا محالة ومن هنا أمكن أن يقال إنّ القول باختصاص الخبر برفع خصوص المؤاخذة إنّما تتم على القول بكون الأحكام الوضعيّة مجعولة للشّارع وإلاّ فعلى القول بكونها منتزعة من الأحكام الطّلبيّة فلا بدّ من ارتفاعها بارتفاع منشإ انتزاعها أقول هذا وجه حسن في الجملة لأنا إن قلنا بكونها مجعولة من قبل الشّارع فلا ريب أنّ رفع المؤاخذة عن الخطإ والنسيان مثلا لا يوجب رفعها أيضا لأنّ عدم المؤاخذة على إتلاف مال الغير خطأ لا يوجب ارتفاع ضمانه أيضا وكذلك الإكراه على ما يوجب فساد الصّلاة لا يوجب ارتفاع فسادها أيضا وهكذا وإن قلنا بكونها منتزعة من الأحكام الطّلبيّة فلا ريب أنّ كثيرا مما يطلق عليه اسم الحكم الوضعي ليس من المجعولات الشرعيّة ولا منتزعا من الأحكام الطلبيّة حتّى يرتفع في صورة الخطاء والنسيان مثلا بارتفاعه من حيث نفسه أو باعتبار ارتفاع منشإ انتزاعه بل هو من الأمور الواقعيّة كالطّهارة والنجاسة والملكيّة والرقية والحريّة والإسلام والكفر ونحوها وإطلاق الحكم الوضعي عليها من باب المسامحة نعم ما كان منها منتزعا من الأحكام الطلبيّة لا بدّ أن يرتفع بارتفاع منشإ انتزاعه والمسلم منه هي الشّرطيّة والمانعيّة والسّببيّة لأنّ المسلم من الأحكام الوضعيّة التي اختلفوا في كونها مجعولة أو منتزعة هي هذه فلا بدّ في الحكم بارتفاعها باعتبار ارتفاع منشإ انتزاعها إن يقتصر عليها هذا ويحتمل أن يكون الأمر بالتأمّل إشارة إلى التأمّل في صحة عبادة ناسي بعض الأجزاء لأنّ صحّتها عبارة عن موافقة الأمر المتوجّه إليه مع اعتبار قصد موافقتها له وإلاّ فلا يتحقق الامتثال المعتبر في صحّتها وحينئذ إذا نسي المصلّي أحد أجزاء صلاته وأتى بباقي أجزائها فإن كان تكليفه في الواقع بتسعة أجزاء يجب عليه الإتيان بما أتى به بعنوان كونه مركّبا من تسعة أجزاء ليتحقق منه قصد موافقة الأمر المتوجه إليه والحال أنّه في حال النّسيان معتقد بكون ما أتى به مركّبا من عشرة أجزاء الّتي هي تكليف المتذكر وإن كان تكليفه بعشرة أجزاء فالمفروض عدم موافقة ما أتى به لتكليفه الواقعي وعلى كلّ تقدير لا يمكن الحكم بصحّة ما أتى به ومن هنا قد التزم جماعة بعدم كون ما أتى به ناسي بعض الأجزاء مأمورا به وأنّه حيثما ثبت جواز الاجتزاء به شرعا كما في ناسي بعض الأجزاء غير الركنية فهو أمر أجنبيّ مسقط للمأمور به ولكنّه خلاف ظاهر العلماء لأنّ ظاهرهم كون ما أتى به النّاسي هو المأمور به الواقعي بل هو خلاف ظاهر الأخبار أيضا لأنّ ظاهرها تماميّة الصّلاة حينئذ مثل ما رواه جعفر عن أبيه أنّ عليّا عليهالسلام سئل عن رجل ركع ولم يسبّح قال تمت صلاته وقوله عليهالسلام فيمن أفطر نسيانا رزق رزقه الله نعم يمكن أن يقال بعدم اعتبار قصد الموافقة بالنّسبة إلى الشرائط بأن لا يعتبر القصد إلى كون المأتي به مستجمعا لها في تحقّق الامتثال إذا فرض تحقّقها في الواقع ولذا يجوز الأمر بالعبادة من دون بيان الشرائط إذا كان المكلف مستجمعا لها في الواقع وحينئذ لا يرد الإشكال المذكور بالنّسبة إلى ناسي بعض الشّرائط هذا ويمكن دفع الإشكال بالنّسبة إلى الأجزاء أيضا يمنع اعتبار موافقة المأتي به للمقصود في تحقّق الامتثال إذا فرض موافقته للواقع بأن كان المعتبر في صحة العبادة قصد مطابقة المأتي به للواقع مع موافقته له وإن لم يكن الواقع المقصود مطابقا للواقع المكلّف به فإذا كان تكليف النّاسي بتسعة أجزاء إلا أنّه أتى بها باعتقاد كون المأتي به مركّبا من عشرة أجزاء وأنّه تكليف في الواقع كفي ذلك في صحّة الفعل وتحقّق به الامتثال (قوله) وكذلك الإضرار بمسلم اعلم أنّه إذا أكره شخص آخر على إتلاف مال وأمكن له دفع الضّرر عنه بإدخاله على الآخر هو يتصوّر على وجوه أحدها أن يتوجّه الإضرار من المكره بالكسر أوّلا وبالذات إلى المكره بالفتح إلا أنّه دفعه عن نفسه بإدخاله على الآخر ولا ريب في كون ارتفاع الضّمان عن المكره بالفتح حينئذ منافيا للامتنان وثانيها أن لا يتعلق غرضه بإدخال الضّرر على خصوص أحدهما بل بإتلاف مال في الجملة