باعتبار جميع آثارها لجواز كونه باعتبار رفع مؤاخذتها والإشكال فيه بمنافاته لقضية الاختصاص كما قرّره المصنف رحمهالله مندفع بما أشار إليه أولا من ورود هذا الإشكال على ظاهر الآيات أيضا فهو لا يصدم في إبقاء حديث الرّفع على ظاهره من كون المراد به رفع خصوص المؤاخذة كما هو ظاهر المصنف في تقرير الرّفع وإن شئت قلت إن هذا الإشكال راجع إلى الإشكال في ظاهر الآيات لا في خصوص حديث الرّفع كما هو مقتضى ما قرّرناه أوّلا وثانيا من الجواب حلاّ بأنّ الأشياء التّسعة تارة تستند إلى تقصير من المكلّف لأنّ الخطاء والنّسيان مثلا قد ينشآن من عدم مبالاته في التحفظ لأنّه إذا وطن نفسه على أنّ لا ينسى ما ذكره بأن تذكر محفوظه مرّة أو مرارا أو على أن لا يصدر عنه خطأ بأن احتاط في أفعاله وأموره فربّما لا ينسى محفوظه ولا يصدر عنه خطأ وقد ورد أنّ النّسيان في الغالب من الشّيطان وأخرى لا يستند إلى تقصيره في المقدّمات بل يصدر عنه الخطاء والنّسيان من دون اختياره وإرادته وحينئذ نقول يجوز أن تكون الأمم السّالفة معاقبين على الخطاء والنّسيان على الوجه الأوّل لعدم قبح ذلك عقلا وقد رفع ذلك عن هذه الأمّة ومن هنا يسقط ما توهّمه البيضاوي على ما حكي عنه من جواز التّكليف بما لا يطاق استنادا إلى الآية الشّريفة إذ لو لم يجز ذلك لم يسأل النّبي صلىاللهعليهوآله رفع مؤاخذته عن هذه الأمّة وإلاّ لغي السّؤال وهو كما ترى في غاية من الضّعف إذ لا إشكال في قبح التّكليف بما لا يطاق لأنّ الله لا يكلّف نفسا إلاّ وسعها وجواز المؤاخذة على ما خرج من الطّاقة قد ظهر وجهه ممّا قدّمناه مضافا إلى ما أشار إليه المصنف رحمهالله بقوله وأمّا في الآية فلا يبعد إلى آخره (قوله) فإنّ موارد الإشكال إلخ إنّما خصّ موارد الإشكال بهذه الأربعة لعدم استقلال العقل بقبح المؤاخذة على البواقي أمّا الطّيرة والحسد والتفكر في الوسوسة في الخلق فظاهر وأمّا الإكراه فكذلك أيضا ولذا لا يجوز قتل النّفس ولو مع الإكراه عليه وأمّا ما لا يعلمون فلفرض إمكان الاحتياط فلا تقبح المؤاخذة عليه كما صرّح به ولكنّك خبير بأنّ مجرّد إمكان الاحتياط لو كان رافعا لقبح العقاب عقلا فلا يتمّ الاستدلال على أصالة البراءة في شيء من مواردها لأنّ مدركها عقلا هو قبح التّكليف والعقاب بلا بيان ولو مع إمكان الاحتياط كما هو واضح لا سترة عليه وما قرّرناه في الحاشية السّابقة من توضيح دفع الإشكال إنّما كان على ظاهر كلام المصنف رحمهالله وإلاّ فقد عرفت عدم تماميته بالنّسبة إلى ما لا يعلمون اللهمّ إلاّ أن يريد بإمكان الاحتياط إمكان إيجابه بأن كانت الأمم السّالفة مؤاخذين بمخالفة الواقع فيما لا يعلمون من الأحكام والموضوعات لأجل وجوب الاحتياط عليهم شرعا وقد رفع هذا الوجوب عن هذه الأمّة ولا ريب أنّ العقل إنّما يستقل بقبح التكليف والمؤاخذة بلا بيان مع عدم دليل على وجوب الاحتياط وإلاّ فهو بيان إجمالي عقلا وشرعا كما هو واضح (قوله) وكذا التكليف الشّاق إلخ يرد عليه أنّه إن أراد به التكليف بفعل عسير ففيه أنّ التّكليف بالعسير لا قبح فيه سواء كان ناشئا من سوء اختيار المكلّف أم لا ولذا وقع التكليف به في موارد من الشّرع نعم لو كان التّكليف به موجبا لاختلال النّظم أو لوقوع العباد في المعصية غالبا لأنّ الإنسان مجبول بالطّبع على الفرار عن التكاليف كيف لا لو لم يكن خوف العقاب في المخالفة لم يلتزم أكثر النّاس بالأحكام الشّرعيّة لأنّ إقامتهم بالفرائض واستدامتهم عليها إنّما هي لأجل ذلك لا لأجل تحصيل الثواب أو تحصيل رضوان الله الّذي هو أكبر من جنته فلو أمر الله تعالى بأمور كثيرة شاقّة لم يلتزم بها أكثر النّاس وخالفوا أوامره تعالى فيها فوقعوا بذلك في المعصية واستحقوا لسخطه سبحانه فهو قبيح لأنّ التكليف بما يوجب الاختلال أو وقوع العباد غالبا في المعصية قبيح عقلا لكون الأوّل منافيا للغرض من خلق العباد وتشريع أحكام بينهم لنظم معادهم ومعاشهم والثّاني مناف للّطف الواجب عليه تعالى لفرض كون هذا النّحو من التكليف مقرّبا للعبد إلى المعصية لا مبعّدا عنه ولا فرق في ذلك أيضا بين تقصير المكلف وعدمه ومع التّسليم فلا اختصاص لمورد الرّواية بهذا النّحو من التكليف الشّاقّ حتّى يفصل فيه بين تقصير المكلّف وعدمه وإن أراد به التّكليف بما هو خارج من القدرة ففيه أنّ التّكليف به قبيح عقلا سواء كان مع التقصير أم لا لكون التكليف به سفها مطلقا وما قيل من أنّ الامتناع بالاختيار لا ينافي الاختيار لا ربط له بالمقام كما قرّرناه في مبحث المقدّمة(قوله) كما ترى إلخ لإمكان تقدير لفظ جامع بين جميع الآثار مثل لفظ الأثر أو الآثار(قوله) إنّه إنّما يحسن إلخ لأنّ مرجع ما ذكر إلى الأخذ بالمتيقن ممّا هو مراد من اللّفظ لا بما هو ظاهر منه (قوله) إلاّ أن يراد إثبات ظهورها إلخ هذا دليل آخر على كون المقدّر هو خصوص المؤاخذة لا جميع الآثار وحاصله أنّه على تقدير إجمال حديث الرّفع يدور الأمر بين تقدير جميع الآثار أو خصوص المؤاخذة إلاّ أنّه إذا كان المقدر هو جميع الآثار لزمه تخصيص العمومات المثبتة للضّمان والكفّارة والقضاء والإعادة وغيرها بغير صورة النّسيان والخطاء مثلا وإذا كان المقدّر هو خصوص المؤاخذة بقيت هذه العمومات على ظاهرها من إرادة العموم وأصالة الحقيقة فيها تقضي بكون المراد بحديث الرّفع هو رفع خصوص المؤاخذة وبالجملة أنّه إذا ورد عام وخاص مجمل مردّد بين قلّة الخارج وكثرته فأصالة الحقيقة في العموم تقضي بكون المراد بالخاص ما هو المتيقّن منه فيكون هذا الأصل مبينا لحاله كما إذا ورد قولنا أكثر النّاس وورد أيضا قولنا لا تكرم الفسّاق وتردّد الأمر في الفاسق بين كونه حقيقة في الفاسق بالجوارح خاصّة أو ما يعمّه والفاسق بالعقيدة فإنّ أصالة العموم في العام تخصّصه بالأوّل ويمكن أن يجاب عنه مضافا إلى كون النّسبة بين حديث الرّفع على فرض تقدير جميع الآثار وبين سائر العمومات عموما من وجه والعام إنّما يصلح مبينا لحال الخاص المجمل بالنّسبة إلى مورد الإجمال إذا كانت النّسبة بينهما عموما وخصوصا مطلقا كما ستعرفه من مثال وجوب إكرام النّاس وإهانة الفسّاق لا عموما وخصوصا من وجه إذ لا بدّ حينئذ من الحكم بالإجمال في مورد التعارض بالفرق فيما ذكرنا بين المخصّص والحاكم لأنّ تعارض العمومات والمطلقات بالنّسبة إلى مخصّصاتها ومقيّداتها إمّا من قبيل تعارض العام والخاص أو المطلق والمقيّد أو الحاكم والمحكوم عليه أو الوارد والمورود