التحفظ والاحتياط وتحصيل العلم في الموضوعات الخارجة المشتبهة حتّى يقال إنّه مع التقصير فالتكليف باق ومع عدمه فارتفاعه عقلي لا يناسب مقام المنّة قلت إنّ اعتبار بذل الجهد في مقدّمات الاجتهاد وبحيث لا يقع منه تقصير فيها أصلا عقلا يسدّ باب الاجتهاد لأن من زاول علم النحو مثلا بالتّعليم والتعلّم واستمر عليه في أغلب أيّامه وغار في مسائله وأتقنها وأحكمها بما وصل إليه جهده ووسعه وبعد ذلك إذا أراد العود إلى ذلك ثانيا بتكرير النّظر والبحث مع المتبحرّين في هذا العلم ينكشف عنه حجب العلم ويزداد علمه في كلّ آن ونظر إذ فوق كل ذي علم عليم والحاصل أنّ العلوم ليست ممّا يقف على حدّ يمكن تحصيله فلو قلنا بوجوب تحصيل علم النحو والمنطق والأصول وغيرها من مقدّمات الفقه بحيث لا يعدّ مقصّرا فيها عقلا فلا بدّ أن نطوي ورقة الاجتهاد لكون تحصيلها على هذا النحو خارجا من الوسع والطّاقة فلا بدّ له من حدّ مضبوط لئلا يلزم تعطيل الحدود والأحكام فالأولى حينئذ أن يقال إن الواجب هو تحصيل المقدّمات على حسب الوسع والطّاقة بل دون الوسع لاستلزامه العسر أيضا كما لا يخفى فالواجب هو تحصيل المقدّمات على وجه لا يعد مقصّرا في العرف والعادة فإذا صحّح كتاب الحديث من نسخة مصحّحة مرتين أو مرات ثلاثة كفي في الرّجوع إليه وأخذ الأحاديث منه لاستنباط الأحكام منها وإن كان مقصّرا عقلا لو تبيّن الخطأ بعد ذلك وكذا في غيره من المقدّمات وحينئذ إذا كان المراد بالموصولة في قوله وما لا يعلمون أعمّ من الحكم والموضوع فمن الجائز أن يكون الخبر واردا في مقام بيان رفع المؤاخذة على الأحكام المجهولة إذا لم يتفحص عنها فوق متعارف النّاس وهو لا ينافي المنة وكذا الكلام في باقي الفقرات بأن يقال بكونه واردا في مقام بيان رفع المؤاخذة على الأحكام المنسيّة إذا كان النّسيان ناشئا من عدم التّحفظ فوق المتعارف وكذلك الأحكام الّتي وقع فيها الخطأ إذا كان ناشئا من عدم الاحتياط فوق المتعارف فإذا زعم فقيه عبارة الفقيه متن حديث وفتش عن ذلك بحسب المتعارف وأفتى بمضمونها ثمّ ظهر خطاؤه فيها فالخبر ينفى المؤاخذة على ذلك وهكذا الكلام في باقي الفقرات فلا وجه لتخصيصها بالموضوعات وثالثا مع تسليم اختصاص الموصولة بالموضوعات المشتبهة فلا ريب في شمولها للأفراد الخفية فيما لو علق حكم على عام له أفراد ظاهرة وخفية كما إذا علمت حرمة الخمر وشكّ في شمول لفظ الخمر للفقاع أيضا فإذا ثبت حكم الفقاع بحكم الخبر وقلنا بإباحته ثبت جواز الحكم بالإباحة في سائر موارد أصالة البراءة أيضا بعدم القول بالفصل لمخالفة الأخباريين في أصالة البراءة حتّى في الشّبهات المفهوميّة وسموها بالأفراد الخفيّة لإيجابهم الاحتياط فيما تعلّق الحكم على عامّ مجمل بالنّسبة إلى بعض أفراده مع كون الشّبهة فيه في الحكم لا في موضوعه قال المحدّث البحراني في مقدمات حدائقه التّحقيق في المقام على ما أدى إليه النّظر القاصر من أخبار أهل الذّكر عليهمالسلام هو أن يقال لا ريب في رجحان الاحتياط شرعا واستفاضة الأمر به كما سيمرّ بك شطر من أخباره وهو عبارة عمّا يخرج به المكلّف عن عهدة التّكليف على جميع الاحتمالات ومنه ما يكون واجبا ومنه ما يكون مستحبّا والأوّل كما إذا تردّد المكلّف في الحكم إمّا لتعارض أدلته أو لتشابهها وعدم وضوح دلالتها أو لعدم الدّليل بالكليّة بناء على نفي البراءة الأصليّة أو لكون ذلك مشكوكا في اندراجه تحت الكليّات المعلومة الحكم أو نحو ذلك ثم ساق الكلام في ذكر الأمثلة إلى أن انتهى إلى قوله ومن الاحتياط الواجب في جزئيّات الحكم الشّرعي الإتيان بالفعل إذا علم أصل الحكم وكان هو الوجوب ولكن حصل الشّكّ في اندراج بعض الأفراد تحته وسيأتي صحيحة عبد الرّحمن بن الحجّاج الواردة في جزاء الصّيد الدّالة على ذلك ومن هذا القسم ولكن مع كون الاحتياط بالترك ما إذا كان الحكم الشّرعي التّحريم وحصل الشّكّ في اندراج بعض الجزئيّات تحته فإنّ الاحتياط هنا بالتّرك كحكم السّجود على الخزف والحكم بطهارته بالطّبخ فإنّ أصل الحكم في كلّ من المسألتين معلوم ولكن هذا الفرد بسبب الشكّ في استحالته بالطّبخ وعدمها قد أوجب الشّكّ في اندراجه تحت أصل الحكم فالاحتياط عند من يحصل له الشّكّ المذكور واجب بترك السّجود وترك استعماله فيما يشترط فيه الطّهارة ومنه الشكّ في اندراج بعض الأصوات تحت الغناء المعلوم تحريمه فإنّ الاحتياط واجب بتركه وأمّا من يعمل بالبراءة الأصليّة فيرجح بها هنا جانب العدم فلا يتّجه ذلك عنده انتهى وقد يناقش في دلالة النّبوي أيضا بأنّ الحمل على ظاهره غير ممكن فلا بد من حمله على خلاف ظاهره وهو كما يمكن بحمله على إرادة نفى الآثار كذلك يمكن بتصرف في نسبة الرّفع إلى الأمّة بأن تكون نسبة الرّفع إليها باعتبار ارتفاع الأمور التّسعة عن بعضها كما يقال فلان يركب الخيل إذا ركب بعضها وبنو فلان قتلوا فلانا وقد قتله بعضهم فالخبر حينئذ يدل على وجود معصوم عن هذه الأمور في جملة الأمّة ولا مرجّح لأحد المجازين فيعود الخبر مجملا أقول هذه المناقشة قد ذكرها الشّهيد رحمهالله ويرد عليها أولا منع ارتفاع كلّ واحد من الأمور التّسعة عن بعض الأمّة إذ لا ريب في عدم ارتفاع الإكراه عن أئمّتنا عليهمالسلام وتشريع باب التقية أوضح شاهد له وثانيا أنّه على ما ذكر يكون تقييد قوله والوسوسة في الخلق بقوله ما لم ينطق بشفة لغوا لكون الإمام عليهالسلام معصوما عن الوسوسة مطلقا(قوله) ولا معنى للمؤاخذة إلخ لأنّ المؤاخذة على ارتكاب الحرام لا على الحرمة وإن كانت المؤاخذة من آثارها وهي سبب لها(قوله) ما هو المناسب إلخ كالمضرّة في الطيرة والكفر في الوسوسة والمؤاخذة في البواقي (قوله) لكنّ الظّاهر إلخ حاصله أنّه إن قدرت المؤاخذة باعتبار كونها مترتّبة على المذكورات فهو صحيح ولا يلزم منه خلاف الظاهر إلاّ أنّه قد تقدم في كلام المصنف رحمهالله تعين أخذ الموصولة حينئذ عبارة عن الموضوع فلا يصحّ الاستدلال وإن قدرت المؤاخذة باعتبار كونها من آثار المذكورات وإن لم تنسب إلى أنفسها صحّ أخذ الموصولة حينئذ أعمّ من الحكم والموضوع وصحّ الاستدلال أيضا إلاّ أنّه خلاف الظاهر(قوله) والحاصل إلخ حاصله أنّ الخبر يحتمل وجوها أحدها كون المرفوع جميع الآثار وثانيها كون المرفوع في كلّ واحد من المذكورات هو الأثر المناسب لكل منها وثالثها كون المرفوع في الجميع هي المؤاخذة خاصّة والأوّل وإن كان أقرب اعتبارا إذ لا ريب في كون الشيء المسلوب الآثار أقرب إلى عدم هذا الشيء ممّا سلب عنه بعض آثاره دون بعض إلاّ أنّه لا اعتبار بالأقربية الاعتبارية في مباحث الألفاظ لأنّ مدارها على الظّهور