على قسمين قسم منافعه مختلفة في الظهور والخفاء فبعضها ظاهر من بينها كاللّبس في الملبوس والشّرب في المشروب والأكل في المأكول وقسم منافعه متساوية في الظّهور والخفاء ولا ريب أن المطلقات إذا كانت لها أفراد ظاهرة وخفية إنما تنصرف إلى الظاهرة منها وحينئذ نقول إنّ المقصود بقوله تعالى (خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ) هو خلق الأشياء لغاية الانتفاع بها وهو مطلق لا ينصرف إلاّ إلى الأشياء الّتي لا يمكن الانتفاع بها إلاّ بجهة واحدة وإلى ما له منافع من جهات متساوية وإلى أظهر جهات ما له جهات مختلفة فيكون أخصّ من المدّعى وربّما يقال إن الآية مفسرة في الخبر بالانتفاع بجهة الاستدلال بما في الأرض على وجود الصّانع واعترض عليه أنّ الخبر أنما تضمن إحدى جهات الانتفاع ولا دلالة فيه على الحصر فيها وربّما يقال أيضا أنها واردة في مقام بيان عدم كون خلق ما في الأرض عبثا لا لبيان إباحة جميع ما في الأرض فتأمّل (قوله) منها المروي عن النّبي صلىاللهعليهوآله بسند صحيح إلخ لفظ الحديث على ما نقله في تفسير نور الثقلين عن التوحيد مسندا إلى حريز بن عبد الله عن أبي عبد الله عليهالسلام هكذا قال قال رسول الله صلىاللهعليهوآله رفع عن أمّتي تسعة أشياء الخطأ والنّسيان وما أكرهوا عليه وما لا يطيقون وما لا يعلمون وما اضطروا إليه والحسد والطّيرة والتفكر في الوسوسة في الخلق ما لم ينطق بشفة والخبر قد صحّ عن أئمّتنا عليهمالسلام وأسندوه إلى النّبي صلىاللهعليهوآله فما ربّما يتوهم من كونه نبويّا ضعيفا ضعيف جدّا(قوله) فإن حرمة شرب التتن إلخ قد أورد على التّمسك بالخبر بوجوه أحدها بما تقدّم في الحاشية السّابقة مع تضعيفه من كونه نبويّا ضعيفا وثانيها أنّه خبر الواحد فلا يجوز التّمسّك به في إثبات المسائل الأصوليّة عند المشهور وفيه أولا أنّ هذه المسألة كمسألة الاستصحاب كما سيأتي في مسألة الاستصحاب من المسائل الفرعيّة دون الأصوليّة وثانيا أن الاستدلال ليس بهذا الخبر بل به بضميمة سائر الأخبار الّتي تمسّك بها المصنف رحمهالله في المقام ولا تبعد دعوى تواترها معنى وثالثا منع عدم جواز الاستدلال بأخبار الآحاد في المسائل الأصوليّة لعموم أدلّتها كما لا يخفى وثالثها ما أورده المصنف رحمهالله من كون المراد بالموصولة بقرينة أخواتها هو الموضوع فلا يشمل الحكم المجهول ويؤيّده أنّه لو كان المراد بها أعمّ من الموضوع والحكم لزم استعمالها في معنيين مختلفين لأنّ نسبة الرّفع إليها عند إرادة الموضوع باعتبار معنى وعند إرادة الحكم باعتبار معنى آخر إذ المراد على الأوّل رفع مؤاخذة الفعل المشتبه الحكم وعلى الثّاني رفع نفس الحكم المشتبه اللهمّ أن يقال إن المراد بها الموضوع خاصة إلاّ أنّ المراد به أعمّ من الموضوع المشتبه في نفسه كالمائع المردّد بين كونه خمرا وخلاّ ومن الموضوع المشتبه الحكم كشرب التّتن إلاّ أنّه بعيد ومنافر لسائر الفقرات والحاصل أنّه إمّا أن يراد بالموصولة للموضوع خاصّة أو الحكم خاصّة أو الأعمّ منهما والأوّل هو المطلوب ولا ينفع المستدلّ والثّاني بعيد عن السّياق والثّالث مستلزم لاستعمال اللّفظ في معنيين متغايرين بإرادة واحدة ويرد عليه أوّلا أن دعوى ظهور الموصولة في إرادة الموضوع خاصّة بقرينة السّياق نظرا إلى اختصاص الخطإ والنّسيان والإكراه وعدم الطّاقة والاضطرار بالموضوع ممنوعة لصحّة إرادة الأعمّ منه ومن الحكم في هذه الفقرات أيضا أمّا الخطأ فإنّه كما يتحقق في الأفعال كذلك في الأحكام كما إذا اعتقد الفقيه عبارة الصّدوق عبارة للصّادق عليهالسلام فأفتى بمضمونها ثمّ تبيّن خطاؤه فيكون الخطأ في الفتوى حينئذ ناشئا من الخطإ في الموضوع الخارج وأمّا النّسيان كما إذا كان عالما بحرمة الخمر مثلا فنسيها فشربها وأمّا الإكراه فكإكراه فقيه على الإفتاء بخلاف الحقّ الذي اعتقده ومنه يظهر الحال في الاضطرار أيضا وأمّا عدم الطّاقة فكتكليف المكلّف بما لا يطيق لامتثاله وثانيا منع لزوم استعمال الموصولة في معنيين على تقدير إرادة المعنى الأعمّ منها إذ المراد برفع الأمور التّسعة كما سيجيء في الحواشي الآتية ليس رفع مؤاخذتها حتّى يلزم المحذور بل المراد هو عدم توجيه الخطاب على وجه يشمل صورة الخطاء والنّسيان مثلا أيضا وحينئذ يقال إن المراد برفع ما لا يعلمون أيضا هو عدم توجيه التكليف بحيث يشمل المجهولات حتّى يجب فيه الاحتياط وحينئذ يصحّ أن يقال إنّ المراد بما لا يعلمون أعمّ من الموضوع والحكم المشتبهين والمراد برفعهما رفع حكمهما الظاهري بمعنى أنّه إذا اشتبه الخمر بالخلّ أو اشتبه حكم شرب التّتن فالخبر يدلّ على عدم توجّه الخطاب الواقعي بحيث يشمل صورة الجهل حتّى يجب الاحتياط في الصّورتين وسيأتي توضيح لذلك إن شاء الله تعالى فإن قلت إنّ اللاّزم على المجتهد هو استفراغ تمام وسعه في استنباط الأحكام الشرعيّة بحيث لا يقع منه تقصير في مقدمات استنباطه إلاّ على وجه يكون معذورا فيه كما إذا أخذ حكما من خبر صحيح على اعتقاده وكان من الأخبار المدسوسة في الواقع وقد حكى بعض مشايخنا عن بعض مشايخه عن الشيخ أسد الله التستري أنّه قد ذكر أنّ الإمام عليهالسلام لو كان حاضرا لاحتججت معه إلى سنة ولا يلزمني بتقصير في مقدّمات اجتهادي وفي كيفية استنباطي فاللاّزم على المجتهد أوّلا هو بذل الوسع في تحصيل الأحكام الواقعيّة والوصول إليها وإن لم يصل إليها فهو إما من جهة تقصيره في الفحص عن الأدلّة أو معارضاتها أو من جهة قصوره عن الفحص أزيد ممّا بذل جهده فيه فهو على الأوّل معاقب وعلى الثاني معذور لا محالة وإلاّ لزم التكليف بما لا يطاق وهو منفي عقلا وشرعا وإذا تحقق ذلك نقول إنّك قد عرفت أنّ المراد في الخبر برفع الأمور التّسعة هو عدم توجيه الخطاب على وجه يشمل صورة الخطاء والنّسيان والجهل مثلا ولا ريب أن عدم توجيهه كذلك إمّا مع تقصير من المكلف في حصول الأمور المذكورة بأن لم يتحفظ محفوظه بتكرير التذكر مثلا حتّى لا ينسى أو لم يتفحص عن الأدلّة حتى يصير عالما بالحكم أو لم يحتط في أفعاله كي لا يقع في الخطاء فيها أو مع عدم تقصير منه في ذلك وتعميم الخبر للصّورة الأولى بعيد في الغاية وفضيح إلى النّهاية وكذلك للصّورة الثّانية لأنّ قبح المؤاخذة في صورة عدم التقصير عقلي ويبعد بل لا يصحّ حمل الخبر الوارد في مقام المنّة على صورة يستقل بحكمها العقل وعلى كلّ تقدير فحمل الخبر على بيان رفع مؤاخذة الأحكام غير صحيح فلا بد من حمله على بيان رفع المؤاخذة على الموضوعات المشتبهة فإذا أكل مال الغير مثلا خطاء أو نسيانا أو إكراها أو اضطرارا أو جهالة أو لأجل عدم الطّاقة للاستنكاف عنه لبعض الأسباب الخارجة فالخبر يدلّ على رفع المؤاخذة عنه على ذلك ولا محذور فيه لعدم وجوب