مطلقا وقال في الضوابط في مقام بيان مادة الافتراق من جانب البراءة إنا نرى تمسّكهم بأصل البراءة فيما لا يصلح فيه الاستصحاب كما في مسألة تبعية القضاء للأمر الأوّل أو للفرض الجديد فالمعظم على الثّاني لأصالة البراءة مع أنّه لا معنى لاستصحاب البراءة هنا لو لم نقل إن الاستصحاب يقتضي الخلاف انتهى ويظهر هذا أيضا من المحقّق القمي رحمهالله في مسألة تبعية القضاء للأمر الأوّل وعدمها هذا ونرد على ما ذكره في الفصول أنّه إن أراد عدم صلاحية المثال المذكور للاستصحاب أصلا ففيه أنّه لا وجه لمنع جريان استصحاب الجنابة والطّهارة معا غاية الأمر أن يكون هنا أصلان متعارضان لا عدم كونه موردا للاستصحاب أصلا وإن أراد عدم تحقق استصحاب مثمر في مقام العمل ففيه أن الشّبهة في المثال موضوعيّة لأنّ مرجعها إلى الشّكّ في كون المكلّف على الجنابة أو الطهارة وحينئذ إن أراد عدم جريان الاستصحاب في الموضوعات المشتبهة مطلقا فهو متضح الفساد إذ لا ريب في جواز استصحاب حياة زيد عند الشكّ في موته وبقاء الخل على حالته الأولى عند الشّك في انقلابه خمرا وإن أراد عدم جريانه في خصوص المثال كما هو ظاهر كلامه ففيه أنّه لا شك في عدم تعلق الخطابات الشرعيّة التي منها عدم جواز الجواز من المسجدين واللّبث في المساجد للجنب بالمكلف في حال الصّغر والجنون والمتيقن من انقطاع هذه الحالة بعد البلوغ والإفاقة هي صورة العلم بالجنابة تفصيلا لا مع الشّكّ فيها وإن علم إجمالا بوقوع أحد الأمرين منها ومن الطّهارة وحينئذ يصح استصحاب العدم السّابق إلى زمان الشّكّ وإن لم يصح استصحاب خصوص إحداهما لأجل المعارضة وأمّا ما ذكره في الضوابط فيرد عليه منع عدم صحة استصحاب العدم فيما شكّ في كون القضاء بالأمر الأوّل أو بأمر جديد لأنا لو قلنا بكونه بالأمر الأوّل فالأداء والقضاء تكليفان متغايران ودلالة الأمر الأوّل عليهما من قبيل تعدد الدّالّ والمدلول لأن مطلوبية إيجاد الطّبيعية في خارج الوقت على تقدير الإخلال بها في الوقت مستفادة من الخارج ومع الشّكّ في التكليف الثّاني يستصحب العدم السّابق الثابت في حال الصّغر ولا وجه لاستصحاب التكليف الثّابت في الوقت كما زعمه لاحتمال كون الإتيان به في الوقت مأخوذا في موضوعه فلا يكون الموضوع حينئذ محرزا حتّى يصح التمسّك بالاستصحاب وممّا ذكرنا ظهر أنّ الحقّ اتحاد أصالة البراءة واستصحابها بحسب الموارد وإن اختلفا بحسب المفهوم إذ المناط في حكم العقل بالبراءة هو مجرد الشّكّ في التكليف مع قطع النّظر عن الحالة السّابقة وفي الاستصحاب هو اليقين بالحالة السّابقة والشك في بقائها فهما مختلفان مفهوما وإن اتحدا موردا وإن كان هذا خلاف المشهور إذ المعروف بين العلماء كون البراءة قسما من الاستصحاب فلاحظ المحقق حيث قسّم في الفصل الثّالث من مقدّمات المعتبر الاستصحاب إلى ثلاثة أقسام استصحاب حال العقل وفسره بالبراءة الأصلية واستصحاب حال الشّرع وهو أن يقال عدم الدّليل على كذا فيجب انتفاؤه وذكر الشّهيد في الذكرى أصل البراءة في الأدلّة النقليّة وقال ويسمّى استصحاب حال العقل وقال الشّهيد الثّاني في تمهيد القواعد استصحاب الحال هو أربعة أقسام أحدها استصحاب النفي في الحكم الشّرعي إلى أن يرد دليل وهو المعبر عنه بالبراءة الأصليّة وقريب منه في قواعد الشّهيد وفي المعارج أطبق العلماء على أنّ مع عدم الدّلالة الشّرعيّة يجب إبقاء الحكم على ما يقتضيه البراءة الأصليّة ولا معنى للاستصحاب إلاّ هذا فإن قال ليس هذا استصحابا بل هو إبقاء الحكم على ما كان لا حكما بالاستصحاب قلنا نحن نريد بالاستصحاب هذا القدر وقال في المعتبر وأمّا الاستصحاب فأقسامه ثلاثة استصحاب حال العقل وهو التمسّك بالبراءة الأصليّة وقد اقتنع في المعالم عن عنوان مسألة البراءة بمبحث الاستصحاب إلى غير ذلك من كلماتهم الصّريحة أو الظّاهرة في كون أصالة البراءة قسما من الاستصحاب وكيف كان فقد ظهر لك عدم صحّة أخذ أصالة البراءة بمعنى الاستصحاب كما توهمه المحقّق القمي رحمهالله وأمّا أخذها بمعنى الرّاجح أعني الظنّ فهو أيضا غير صحيح لأنّ أصالة البراءة المبنيّة على قبح العقاب بلا بيان إن قيست إلى الواقع فهي لا تفيد الظنّ وإن قيست إلى الظّاهر فهي تفيد القطع دون الظنّ ومن هنا جاز العمل بها مع الظن غير المعتبر على خلافها وأمّا أخذها بمعنى الدّليل فهو أيضا غير صحيح كما تقدم في كلام صاحب الفصول وحينئذ لا بدّ أن يؤخذ بمعنى القاعدة و
هي حكم العقل على سبيل القطع بعدم التكليف ظاهرا عند الشّكّ فيه بحسب الواقع لاستقلاله بقبح التّكليف بلا بيان وهذه القاعدة مطردة في جميع موارد استصحاب النفي وإن تغايرا مفهوما فتأمّل لأنّ كلمات القوم غير محررة في المقام ثمّ اعلم أن هاهنا أصولا أخر سوى الأصول الأربعة العمليّة قد تداولت بينهم واستعملوها في كتبهم مثل كون عدم الدّليل دليل العدم والبناء على الأقل عند دوران الأمر بينه وبين الأكثر وعلى الأخف عند دوران الأمر بينه وبين الأثقل وغيرها وهي إن رجعت إلى أحد الأربعة المذكورة فهو وإلاّ فلا دليل عليها نعم أصالة الإباحة معتبرة في نفسها ومغايرة للأربعة المذكورة وقد ذكروا في التفصي عن الإشكال الوارد على البحث عنها بعنوان مستقل في الكتب الأصوليّة بكون البحث عن أصالة البراءة مغنيا عنها من حيث كونها أعمّ منها وجوها كثيرة وأرى ترك التعرّض لها وتمييز صحيحها عن سقيمها أولى لأن الاشتغال بالأهم فالأهمّ هو الأهمّ وإن كان التعرّض لها بل بسط الكلام في تحقيق ما هو الأحق بالقبول منها في مسألة أصالة الإباحة مناسبا للمقام وفقنا الله لما هو الأوفق بالمرام (قوله) أحدها حكم الشّكّ إلخ الوجه في إدراج مسألتي أصالة التخيير والاشتغال في مسألة البراءة وإفراد مقام آخر للاستصحاب إنّ أصالة التخيير راجعة إلى أصالة البراءة لكون مرجعها إلى أصالة البراءة عن التعيين وإن حكم أصالة الاشتغال معلوم من حكم أصالة البراءة بالمقابلة نظرا إلى أنّ كلّ مورد لم يكن موردا للبراءة فهو مورد للاشتغال (قوله) أمّا المقام الأوّل إلخ اعلم أنّ المصنف رحمهالله قد ذكر أقسام موارد الشّكّ البدوي هنا مع إدراج بعضها في بعض تقليلا للأقسام وأقسام الشك المشوب بالعلم الإجمالي في الموضع الثّاني ونحن نذكر جميعها هنا مع إضافة بعض آخر إليها ليكون الشّروع في المقصد على زيادة بصيرة وإن احتجنا إلى حذف بعض