لو خالفه على كل من ترك الاحتياط والواقع لو فرضت مخالفة على عمله له فيعاقب عقابين أحدهما لترك الاحتياط والآخر لمخالفة الواقع ثمّ إنّا لو قلنا بوجوب مقدّمة الواجب شرعا بواسطة حكم العقل لا نقول به فيما نحن فيه لوضوح الفرق بين المقدّمات الوجوديّة كالطّهارة بالنّسبة إلى الصّلاة والمقدمات العلميّة كالإتيان بجميع أطراف الشّبهة لتحصيل العلم بالواقع لكون الأولى مقدّمة لنفس الواجب فلا يبعد إلزام العقل بملاحظة خطاب الشّارع بالإتيان بها بخلاف الثّانية لفرض كونها مقدمة للعلم بحصول الواجب في الخارج لا لنفسه لإمكان حصوله بدونه كما لا يخفى فحكم العقل بالإتيان بها إنّما هو لمجرّد الإرشاد إلى التّحرز عن احتمال ترك الواجب الواقعي الموعود بالعقاب عليه كما أسلفناه وأمّا الاستصحاب فمن وجهين أحدهما أنّ الظاهر المتبادر من حكم العقل حيث يطلق هو حكمه على سبيل القطع والجزم ولا ريب في عدم حكمه ببقاء الحالة السّابقة كذلك في الاستصحاب لكون حكمه فيه ظنيّا كما هو واضح فلا ينطبق عليه ما تقدّم من تعريف الدّليل العقلي وثانيهما مع تسليم كونه أعمّ من القطعي والظني أنّ المعتبر في حكم العقل حصوله من مقدّمتين إحداهما عقلية أو عادية وهي الصّغرى والأخرى عقليّة محضة وهي الكبرى فيقال هذا ظلم وكل ظلم قبيح بخلاف الاستصحاب فإنّ الصّغرى فيه أعني قولنا إنّ هذا الحكم كان محقّقا سابقا مستفادة من الشّرع وإن كانت كبراها أعني قولنا كلّ ما هو كذلك فهو مظنون البقاء مستندة إلى العقل والنتيجة تابعة لأخسّ مقدمتيها فإذا كانت إحداهما شرعيّة لا تكون النتيجة عقليّة كما أنّه لو كانت إحداهما ظنيّة لا تكون النتيجة قطعية وحينئذ لا ينطبق عليه تعريف الحكم العقلي ولأجل ذلك قد ذكر الأكثر المفاهيم في مباحث الألفاظ دون الأدلّة العقلية لكون الصّغرى فيها مستندة إلى اللّفظ لأنّه يقال فيها إنّ هذا الحكم لازم لمنطوق هذا اللفظ بالدلالة الالتزاميّة وكلّ ما هو كذلك فهو مقصود للمتكلّم وكذلك مقدّمة الواجب لكون الصّغرى فيها أيضا مستندة إلى الخطاب الشّرعي لأنّه يقال فيها إنّ هذا ممّا يتوقّف عليه وجود الواجب وكل ما هو كذلك فهو واجب والحاصل أن ذكرهم المفاهيم وكذا مقدّمة الواجب وكذلك اقتضاء الأمر بالشيء للنّهي عن ضده في مباحث الألفاظ إنّما هو من جهة عدم كون الصّغرى فيها مستندة إلى العقل فلا ينطبق عليها تعريف الدّليل العقلي بأنّه حكم عقلي يتوصل به إلى حكم شرعي وما نحن فيه أيضا كذلك فلا وجه لإدراجه في الأدلّة العقليّة وأمّا التخيير فلأنّه في حكم الاحتياط من حيث كونه من قبيل امتثال التّكليف المعلوم إجمالا فلا يتعلق به خطاب شرعي كما تقدم لرجوعه إلى الاقتناع ببعض محتملات الواقع المعلوم إجمالا فيما لا يمكن فيه الاحتياط أو هو راجع إلى البراءة لأنّ مرجعه إلى نفي احتمال تعيين أحد الطّرفين كما قدّمناه فيأتي فيه ما قدمناه في أصالة البراءة وقد ظهر ممّا ذكرناه حقية ما أسلفناه من فساد إدراج الأصول الأربعة في الأدلّة العقلية اللهمّ إلا أن يحمل ذلك منهم على التسامح بأن يقال في أصالة البراءة إنّ العقل في مشتبه الحكم الواقعي وإن لم يحكم بشيء من الأحكام الخمسة إلاّ أن إدراجها في الأدلة العقليّة لأجل المسامحة في إطلاق الحكم المأخوذ في تعريف الدليل العقلي بأنّه حكم عقلي يتوصّل به إلى حكم شرعي بأخذه في الموضعين أعمّ من إثبات حكم ونفيه ولا ريب في حكم العقل بنفي التّكليف في مقام الظاهر في موارد الشّبهة التّكليفيّة فبهذا الاعتبار يصحّ إدراجها في الأدلّة العقلية وأمّا الاحتياط فإدراجه فيها لوجهين أحدهما أخذ الحكم العقلي وكذا الشّرعي في تعريف الدّليل العقلي أعمّ من الإرشادي والمولوي ولا ريب أن العقل إذا حكم بوجوب الاحتياط إرشادا يحكم به الشّرع أيضا كذلك إذ قد عرفت أنّ الممنوع منه فيه حكم الشّارع بأمر مولوي لا إرشادي وثانيهما كون وجوب الاحتياط شرعيّا كما هو ظاهر المشهور حيث لا يفرقون في رسائلهم العملية بينما ثبت وجوبه بقاعدة الاشتغال وغيره وأمّا الاستصحاب فإدراجه فيها إمّا بملاحظة قلة الأحكام العقليّة لأنّ الأحكام الشّرعيّة لمّا كانت كثيرة بالنّسبة إليها فأدرجوا الاستصحاب في العقليات نظرا إلى كونه مستندا إلى العقل في الجملة وإمّا لأنّ العمدة في تحصيل النتيجة هي الكبرى وكانت الكبرى في الحكم الثّابت بالاستصحاب عقلية كما تقدم فأدرجوه فيها وأمّا التخيير فيظهر الوجه فيه مما قدمناه في الاحتياط الأمر الثّاني في بيان المراد بأصالة البراءة قال المحقق القمي رحمهالله الأصل يطلق في مصطلحهم على معان كثيرة مرجعها إلى أربعة الدّليل والقاعدة والاستصحاب والرّاجح وهو هنا يعني في أصالة البراءة قابل لثلاثة منها الأوّل استصحاب البراءة السّابقة في حال الصغر أو الجنون أو حال علم فيها عدم اشتغال الذّمة بشيء مثل البراءة عن المهر قبل النكاح والثاني القاعدة المستفادة من العقل والنّقل أن لا تكليف إلاّ بعد البيان الثّالث أنّ الرّاجح عند العقل براءة الذّمة إن جعلنا الرّاجح من معان الأصل أعم من المتيقن والمظنون انتهى ملخصا وقال في الفصول الأصل يطلق في عرفهم غالبا على معان أربعة القاعدة والدّليل والاستصحاب والرّاجح والمراد به هنا يعني أصالة البراءة هو المعنى الأوّل أعني القاعدة فالمعنى القاعدة المحررة في البراءة أو للبراءة دون الدليل لعدم ملائمته للمقام فإن البحث هنا عن مدلوله لا عن نفسه ودون الاستصحاب وإن كان من جملة أدلته لاختلاف مدارك المسألتين وأقوالهم فيهما ودون الرّاجح لأنّ المراد به المظنون إذ المقطوع به لا يسمّى أصلا في اصطلاحهم ولا خفاء في أنّ البراءة إن قيست إلى الواقع فقد لا يكون ظن بها وإن قيست إلى الظاهر فهي مقطوع بها ولئن سلّم أنّ معناه الأعمّ فإنّما يصح على الظّاهر اعتباره في التّركيب الحملي كما ذكره الشّهيد الثّاني دون الإضافي كما زعمه الفاضل المعاصر انتهى وقال في موضع آخر الثّاني يعني من أدلّة البراءة استصحاب البراءة الثابتة في حال الصغر وشبهه فإن قضية عموم أدلته كما سيأتي عدم اختصاص مورده بغير البراءة ولا يخفى أنّ هذا الدليل أخصّ من المدّعى إذ بين مورد الاستصحاب وبين مورد أصل البراءة عموم من وجه لجريان الاستصحاب في غير البراءة وجريان أصل البراءة حيث لا يتقدم براءة كمن علم بوقوع جنابة وغسل عما في الذّمة منه وشكّ في المتأخر فإن قضيته أصل البراءة هنا عدم تحريم جواز المسجدين واللّبث في المساجد وقراءة العزائم عليه مع أنّه لا مسرح للاستصحاب فيها انتهى وممّا ذكره يظهر ضعف ما تقدم من المحقّق القمي رحمهالله من صحة إرادة معنى الاستصحاب من الأصل في المقام