شرعا وحينئذ يمكن أن يتوهم كون تقديمها عليها من باب التّخصيص على نحو ما قرّبه المصنف رحمهالله وإن كان الحقّ كون ذلك من باب التخصص كما حققه ثانيا وعرفت الوجه فيه بخلاف ما لو قلنا باعتبارهما من باب العقل إذ لا مجال للتّوهم المذكور حينئذ لأنّ المأخوذ في موضوعهما حينئذ إنّما هو التحير وعدم معرفة طريق امتثال الواقع لا عدم العلم به ولا ريب في ارتفاعه بمجرد قيام طريق شرعي على تعيين الواقع وإن تخلّف عنه في نفس الأمر فلا بد حينئذ أن يكون رفع اليد عن البراءة والاشتغال لأجل التّخصّص دون التّخصيص ومن هنا يظهر وجه الفرق بين القول باعتبارهما من باب الشّرع والعقل لكون تقديم الأدلّة الاجتهاديّة الظّنية عليهما على الأوّل من باب الحكومة وعلى الثّاني من باب الورود وكيف كان فما وقع في بعض الكتب سيّما كتاب الرّياض من أن الأصل مخصّص بالدّليل كما نقله المصنف رحمهالله يرد عليه أولا منع عموم أدلّة الأصول لموارد وجود الدّليل لانتفاء موضوعها به والتّخصيص فرع الشّمول ليكون خروج الواقعة من مقتضى الأصول بحسب الحكم دون الموضوع وثانيا مع التسليم أن النّسبة بينها وبين أدلّة الأمارات عموم من وجه لكون الأولى أعمّ من حيث وجود الأمارة في موردها وعدمه والثّانية من حيث شمولها لغير موارد الأصول وحينئذ لا بد من الحكم بالإجمال في مورد التعارض فتأمل فإن في كلام المصنف رحمهالله ما يدفع هذا وهو ما أشار إليه بقوله لا ينفع بعد قيام الإجماع وحاصله أنّ الحكم بالإجمال في مورد التّعارض في المتعارضين من وجه إنّما هو مع عدم انعقاد الإجماع على عدم الفرق بين موارد أحد العامين بالخصوص وإلاّ كانت مادة التّعارض مندرجة تحت هذا العام لا محالة إذ لا إشكال في جواز العمل به في محل الافتراق فلا بد أن يعمل به في محل التعارض أيضا للإجماع المذكور بل لو كان إطلاق التقديم والتّخصيص في المقام مبنيّا على المسامحة كما أشار إليه المصنف رحمهالله اندفع الإيرادان معا كما هو واضح وأمّا الثّالثة أعني الأدلّة الاجتهادية فهي الأمارات الّتي تكشف عن الواقع ولو ظنّا مثل ظواهر الكتاب والسّنة وأمّا الرابعة فهي ما كان مثبتا للأحكام الظّاهريّة مثل الأصول العملية وقد حكيت تسميته هذا القسم بالدّليل الفقهائي عن الفاضل الصّالح المازندراني في شرح الزّبدة وهذا أولى ممّا نقله المصنف رحمهالله عن الوحيد البهبهاني من تسميته بالدّليل الفقاهتي حذف التاء مع لحوق ياء النّسبة وكيف كان وقد شاع هذا الاصطلاح في زمان الوحيد البهبهاني وبعده ولعل هذا هو وجه نسبة التسمية إليه دون الفاضل المازندراني ووجه تسميته بالفقاهتي وسابقه بالاجتهادي أنّ الاجتهاد على ما عرفوه هو استفراغ الوسع لتحصيل الظنّ بالأحكام الفرعيّة والفقه هو العلم بالأحكام الشّرعية الفرعيّة عن أدلتها التّفصيلية فالفقه بناء على كون المراد بالأحكام أعمّ من الواقعيّة والظّاهرية هو العلم والجزم بما ذكر في الحدّ فالفقيه من حيث بذل جهده لتحصيل الظنّ بالأحكام مجتهد ومن حيث علمه بها لأجل مقدّمة أثبتها بدليل خارج وهو الإجماع على أن ما ظنّه هو حكم الله في حقه وحقّ مقلّده فقيه فاختلافهما إنّما هو بالاعتبار وملاحظة الحيثيّة كاختلاف القاضي مع المفتي ومن هنا كان الأنسب تسمية ما يستعمله الفقيه لتحصيل الظن بالأحكام الواقعيّة بالدّليل الاجتهادي وتسمية ما يستعمله لتحصيل العلم بها بالدليل الفقاهتي ولا ريب أنّ مؤديات الأصول العمليّة هو العلم بالأحكام الظّاهريّة لا الظن بالأحكام الواقعيّة لأنّ ذلك مؤدّى الأمارات المسمّاة بالأدلة الاجتهاديّة على ما عرفت ثمّ إنّه قد يتسامح في إطلاق الدّليل الفقاهتي على كل أمارة لا تفد العلم بالواقع فيندرج فيه حينئذ ظواهر الكتاب والسّنّة أيضا ووجه التّسامح واضح لأنّ الدّليل الفقاهتي ما كان مثبتا لحكم ظاهري وهو ما جعله الشّارع للجاهل من حيث كونه جاهلا ولا ريب أنّ مؤديات ظواهر الكتاب والسّنة ليست كذلك وإن كانت مجعولة في حال جهل المكلّف بالواقع ولذا لا يعتد بها مع العلم بالواقع وبعبارة أخرى أنّ الجهل مأخوذ في الأحكام الظّاهريّة من حيث كونه جزءا من موضوعها وفي مؤديات ظواهر الكتاب والسّنة من حيث الظّرفية وكونها مجعولة في هذا الحال خاصة ولكن مع قطع النّظر عنه ولعلّ هذا هو السّبب في هذا التّسامح لكون مؤديات الظّواهر شبيهة بمؤديات الأصول فيما ذكرناه وإن فارقتها من جهة أخرى كما أوضحناه ويمكن أن يكون السّبب فيه هو كون اعتبار مؤديات الظّواهر من حيث كونها مظنونة كما أوضحه المصنف رحمهالله بقوله حكما ظاهريّا نظير مفاد الأصل إلى آخره والفرق بينه وبين ما ذكرناه واضح فإن قلت إنّ اعتبار الاستصحاب عند الأكثر إنّما هو من جهة إفادته الظنّ بالحكم السّابق وإليه أشار العضدي في تعريفه بأنّ الشيء الفلاني قد كان ولم يظنّ عدمه وكلّ ما هو كذلك فهو مظنون البقاء وحينئذ يجب إدخاله في الأدلّة الاجتهاديّة مثل ظواهر الكتاب والسّنّة فما وجه تقديم سائر الأدلّة عليه عند التعارض قلت إنّ الوجه في تقديمها عليه على القول باعتباره من باب الظنّ أنّه إنّما يفيد الظنّ في مورد الشكّ بمعنى أنّ الشّاك في بقاء الحكم السّابق يحصل له الظنّ ببقائه بملاحظة كونه متيقنا في السّابق وحينئذ تكون سائر الأدلّة الاجتهاديّة واردة عليه ولكن يشكل ذلك بأن مقتضاه عدم العمل به في مقابل سائر الأمارات المشكوكة الاعتبار وهو خلاف ما استقرت عليه طريقة الفقهاء لعملهم بالأصول في مقابلها والإنصاف أن هذا الإشكال وارد على القول باعتبار الاستصحاب من باب الظنّ الشّخصي لا على الجواب المذكور(قوله) توضيح ذلك أي كون دليل الأمارة مخصّصا لدليل أصل البراءة(قوله) مظنون مطلقا بأن كانت حجيّة الشهرة ثابتة بدليل الانسداد(قوله) أو بهذه الأمارة بأن كانت حجيّة الشّهرة ثابتة بدليل خاصّ (قوله) الاقتناع بها هذا بالنّسبة إلى البراءة(قوله) رافعا لاحتمال هذا بالنّسبة إلى قاعدة الاشتغال (قوله) إنّ المقصود بالكلام إلخ لأن علم الأصول هو العلم بالقواعد الممهدة لاستنباط الأحكام الشّرعيّة الفرعيّة فما تستنبط منها أحكام الموضوعات الخارجة الّتي لا يتعلق بها إلاّ أحكام جزئية فهي داخلة في الفقه دون الأصول مثل قاعدة البراءة والاشتغال والطّهارة بالنّسبة إلى إجرائها في الموضوعات الخارجة وكذا قاعدة الشّكّ بعد الفراغ وقاعدة حمل فعل المسلم على الصّحة ونحوها ولكنّك خبير بأن مقتضى هذا الوجه كون قاعدة الطّهارة من الأصول إذا أثبتت طهارة موضوع كلّي وهو خلاف ظاهرهم وقد أوضحنا الكلام في ذلك في محلّ آخر (قوله) في الأصول الأربعة عقلي إلخ لدوران الأمر فيها بين النّفي والإثبات وقد أسلفنا ما يتعلّق بذلك وبتقسيم الأصول إلى الأربعة عند