بسم الله الرّحمن الرّحيم
الحمد لله ربّ العالمين وصلّى الله على أشرف الأنبياء والمرسلين محمّد وآله المعصومين الأطيبين ولعنة الله على أعدائهم أجمعين إلى يوم الدّين قوله فلمّا لم يكن فيه كشف إلخ لتساوي نسبة الشك إلى طرفيه فلا يعقل أن يعتبر من باب الكشف بالنسبة إلى أحدهما وإلاّ لزم ترجيح أحد المتساويين على الآخر ولكنّا قد أسلفنا فيما علقناه على صدر الكتاب ما يناقش في ذلك (قوله) كان حكما ظاهريّا اعلم أنّ الأحكام باعتبار تعلقها بنفس الموضوعات الواقعية وبالموضوعات المشكوك في حكمها تنقسم إلى واقعية وظاهرية والأدلّة الدّالّة عليها إلى اجتهادية وفقاهتيّة أمّا الأولى فهي كما يستفاد من عبارة المصنف رحمهالله هي الأحكام المقرّرة في نفس الأمر لنفس الموضوعات الواقعيّة من غير مدخلية للعلم والجهل فيها بمعنى تغيّرها وتبدّلها بعلم المكلّف وجهله بها إذ لو كان لهما مدخل فيها لزم التّصويب في الأحكام الأولية لدورانها حينئذ وجودا وعدما مدار العلم والجهل نعم قد يكون لهما مدخل في موضوع هذه الأحكام بمعنى كونهما جزءا من موضوعاتها من دون أن يلزم منه تصويب باطل بأن يجعل الشّارع الحرمة والنّجاسة مرتبتين على الخمر المعلومة الخمرية ومقتضاه كونها مباحة وطاهرة في حقّ الجاهل بها ومن هذا القبيل جواز الشّهادة بناء على كون علم الشّاهد بالواقعة جزءا من موضوع هذا الحكم وهذه الأحكام على قسمين اختياري وهي الأحكام التي جعلها الشّارع للمختار كوجوب الإتيان بالصّلاة قائما وتسمى بالأحكام الواقعيّة الاختيارية واضطراريّ وهي الأحكام الّتي جعلها الشّارع للمضطر مثل وجوب الإتيان بالصّلاة قاعدا أو مضطجعا وتسمى بالأحكام الواقعيّة الاضطراريّة ومن لوازم هذه الأحكام عدم تنجّزها إلاّ مع العلم بها ومع العلم بها لا يجوز للشّارع الحكم بخلافها إذا حصل العلم بها تفصيلا لوضوح المنافاة بينهما وأمّا مع العلم بها إجمالا ففيه وجه للجواز لعدم امتناع أن يأمر الشّارع ببدل الواقع بمعنى أن يقنع ببعض محتملات الواقع في مقام امتثاله بأن جعله بدلا عن الواقع كما في الشبهة المحصورة على القول بعدم وجوب الموافقة القطعيّة وحرمة المخالفة القطعيّة وأمّا الثّانية فهي الأحكام المقرّرة للجاهل بالأحكام الواقعيّة كمؤديات الأصول العمليّة وهي مستلزمة لأحكام أخر مقررة في نفس الأمر لينسب الجهل إليها وتكون هذه ظاهريّة بالنّسبة إليها كما قرّره المصنف رحمهالله وتسمّى أحكاما واقعية ثانوية في لسان بعضهم وظاهريّة في لسان آخرين ووجه التّسمية واضح ممّا قرّره المصنف رحمهالله قيل ومن لوازمها عدم تحقّقها إلاّ مع العلم بها لأنّ مؤدى البراءة والاستصحاب مثلا لا يتحقق ولا يصير حكما في حق المكلّف إلاّ بعد العلم بكونه حكم الله في حقّه فبمجرّد علمه به يجعل هذا الحكم في حقّه ويتنجز التكليف به بخلاف الأحكام الواقعية لتحققها في الواقع مع علم المكلّف بها وجهله نعم تنجزها يتوقف على العلم بها على ما أسلفناه فتأمل ومن جملة لوازمها أيضا انتفاؤها حقيقة أو حكما مع العلم أو الظن المعتبر بالحكم الواقعي على ما قرّره المصنف رحمهالله وتوضيحه أنّ الواقع قد يفرض بالنّسبة إلى نفس الأمر وقد يفرض بالنسبة إلى ما جعله الشّارع في عرض الواقع بل عينه بالتنزيل كمؤديات الكتاب والسّنة على القول باعتبارها بالخصوص وبكونها منزّلة بمنزلة الواقع وإن لم تكن هي هو وقد عرفت كون الأحكام الظاهرية مجعولة في حق الجاهل بالحكم الواقعي لا العالم به وحينئذ إن كان المأخوذ في موضوع الحكم الظاهري أعم من الجهل بالحكم الواقعي وما هو بمنزلته فمع العلم بأحدهما ينتفي موضوعه لفرض انتفاء الوصف المأخوذ في موضوعه فيتبعه انتفاء الحكم الظّاهري حقيقة وحينئذ تكون الأدلّة الاجتهادية سواء أفادت العلم أو الظنّ بالواقع واردة على الأصول وإن كان المأخوذ فيه هو الجهل بالحكم الواقعي خاصّة دون ما هو بمنزلته فبالعلم به ينتفى الحكم الظّاهري حقيقة على ما عرفت وأمّا مع العلم بما هو بمنزلته فيكون انتفاء الحكم الظّاهري حينئذ بحسب حكم الشّارع لا بحسب الحقيقة لكون انتفاء موضوعه حينئذ بحكم الشّارع لا بحسب الحقيقة لأنّ مؤديات ظواهر الكتاب والسّنة لما كانت بمنزلة الواقع بجعل الشّارع كان العلم بها بمنزلة العلم بالواقع فترتّب على العلم بها أحكام العلم بالواقع فكما أنه مع العلم بالواقع ينتفي موضوع الحكم الظّاهري كذلك مع العلم بالحكم المستفاد من ظواهر الكتاب مثلا غاية الأمر كون انتفائه هنا حكما وهناك حقيقة وحينئذ تكون الأدلة الاجتهاديّة الظنّية حاكمة على الأصول لا واردة عليها وعلى
تقدير كون المراد من الجهل أعمّ من الجهل بالواقع وما هو بمنزلته قد يعتبر وصف الواقعيّة والظّاهريّة بالنّسبة إلى مؤديات الأصول الّتي هي أحكام ظاهرية فيقال إنّ شرب التّتن مثلا له حكم واقعي مقرّر في نفس الأمر لا يختلف بالعلم والجهل وله مع الجهل بالواقع حكم ظاهريّ وهو ما يستفاد من البراءة وله حكم ظاهري آخر مع العجز عن ترجيح أدلّة البراءة على أدلة الاحتياط في الموارد المختلف فيها وهو الخطر أو الإباحة على الخلاف في الأشياء المشتملة على منفعة خالية عن أمارة مفسدة كشم الطّيب وأكل الفاكهة وعلى القول بالإباحة فيها يتحد الحكمان الظاهريان فالبراءة والاحتياط بالنّسبة إلى الواقع حكمان ظاهريان وبالنّسبة إلى الخطر والإباحة واقعيان وفي جميع هذه المراتب ينتفي موضوع الحكم الظّاهري حقيقة أو حكما على ما عرفت بالعلم بالحكم الواقعي أو ما هو بمنزلته وكيف كان فقد ظهر ممّا قدمناه وجه ما ادعاه المصنف رحمهالله من كون تقديم الأدلّة الاجتهادية الظّنية على الأصول من باب الحكومة دون التّخصيص وكذلك الوجه فيما فرق بينما لو قلنا باعتبار الأصول من باب الشّرع أو العقل حيث تنزّل مما ذكرناه أوّلا فسلّم كون تقديمها عليها من باب التّخصيص على الأوّل دون الثّاني لأن المأخوذ في موضوع البراءة والاشتغال إذا قلنا باعتبارهما من باب الشّرع هو عدم العلم بالواقع وهو لا يرتفع بالظن به وإن كان معتبرا