قسم من الظّلم وما صرّح به في الجواب الثّاني فهما كما نقل عن المصنف رحمهالله مبنيّان على تسليم مقالة الخصم من كون التجرّي من قبيل الأفعال الّتي يستحقّ بها العقاب هذا ولكن للتّأمّل في كون التجرّي من قبيل الفعل أو الصّفة مجال ومرجع الإشكال إلى أنّ التّجرّي أعني كون العبد مع المولى في مقام الطّغيان المتحقّق بالفعل المتجرّى به صفة للمكلّف ومباين للفعل المتجري به أو عمل له منطبق على فعل ما اعتقد حرمته وعلى ترك ما اعتقد وجوبه حتّى يكون هذا الفعل أو الترك المتجرّى بهما حرامين لأجل انطباقه لهما وهذا أيضا مبنى استشكال المصنف رحمهالله في تحقيقه الآتي في استحقاق المتجرّي للذّم من جهة الفعل وإن كان قد جزم بالعدم فيما عرفت من الجواب عن استدلال المشهور فلا تغفل (قوله) للجهل بكونه قتل مؤمن إلخ حاصله أنّ النّزاع في إدراك العقل حسن بعض الأشياء أو قبحه ليس في إدراكه لما فيه من المصالح والمفاسد الّتي هي منشأ الأمر والنّهي حتّى يقال بعدم مدخليّة العلم والجهل في واقعيّة هذه الأمور بل النّزاع في حكم العقل في بعض الأفعال بحسنه بحيث يستحقّ فاعله المدح وفي بعض آخر بقبحه بحيث يستحق فاعله الذّم فيختصّ موضوع النّزاع بالأفعال الاختياريّة لعدم اتصاف غيرها بشيء من الحسن والقبح بالمعنى المذكور ولا ريب أنّه مع الجهل بعنوان الفعل يصير الفعل والتّرك باعتبار عنوانه المجهول خارجين عن الاختيار فلا يتّصفان بشيء من الحسن والقبح وهذا أولى ممّا ربّما يقال في تقرير مراد المصنف ره جمودا على ظاهر عبارته من أن حكم العقل في فعل بحسن أو قبح أنّما هو بعد إحراز جميع خصوصيّاته والفعل المجهول العنوان ممّا لا يمكن أن يحكم عليه العقل بحسن أو قبح إذ من المعلوم أنّ الحكم العقلي ليس له بل واقعيّة كالشّرعي حتّى يتّبع موضوعة الواقعي حتّى مع جهل المكلّف به بل واقعيّة ليست إلاّ عبارة عن مقام فعليّته فمع جهل عنوان الفعل لا يكون هنا حكم عقلي لا ظاهرا ولا واقعا ووجه الأولوية أن عدم حكم العقل لأجل جهله بعنوان الفعل لا يوجب عدم اتّصافه بحسن أو قبح في الواقع أصلا ولذا لو ضرب أحد يتيما ظلما ورآه آخر ولكن لم يعلم أنّه ضربه تأديبا أو عدوانا فلا ريب أن عدم حكم عقله بقبح هذا الضّرب لا يوجب عدم قبحه في الواقع كيف وأكثر الأفعال الّتي لا يدرك العقل حسنها ولا قبحها قد حكم الشّارع عليه بالحرمة أو الوجوب ولا ريب أنّ العقل أيضا لو اطلع على خصوصيّاته الّتي حكم الشّارع من أجلها بوجوبه أو حرمته حكم بحسنه أو قبحه ومن هنا ذكروا أن ما حكم به الشّرع حكم به العقل ثمّ إنّ ما أورده المصنف رحمهالله مختص بما إذا كان الاشتباه في الحكم واعتقاد خلافه ناشئا من اشتباه عنوان الفعل واعتقاد خلافه فلا يتأتّى فيما إذا كان الاشتباه في نفس الحكم خاصّة كما إذا اعتقد وجوب شرب الخمر مثلا فتجرّى فلم يشربه والوجه فيه واضح ممّا قدّمناه إذ الجهل هنا غير مانع من قبح الفعل في نفسه بخلاف الجهل بعنوانه كما لا يخفى ولعلّ مراده النّقض على ما ادعاه المفصل من كليّة عدم استحقاق العقاب فيما إذا تعارضت الجهة الواقعيّة والظّاهريّة فيكفي فيه حينئذ السّلب الجزئي لانتقاض الإيجاب الكلّي به اللهمّ إلاّ أن يقال إنّ شرب الخمر من حيث الجهل بكونه منهيّا عنه في الواقع غير اختياريّ للجهل بصفته الشّرعيّة ولكنّك خبير بما فيه إذ الجهل بالحكم الشّرعي لا يخرج الفعل عن الاختيار وإلاّ لارتفع التّكليف رأسا مع الجهل وهو واضح البطلان ويمكن منع الكلّيّة المذكورة بما ذهب إليه المفصّل في مسألة الحسن والقبح وذلك أنّه قد خالف المشهور في تلك المسألة في كون الحسن والقبح العقليّين علّتين لأوامر الشّارع ونواهيه واعتبار الملازمة بين حكم العقل والشّرع فادعى جواز حكم الشّارع بخلاف حكم العقل ولذا ترى أنّ الصّبي المراهق إذا كان كامل العقل لطيف القريحة تثبت الأحكام العقليّة في حقّه كغير من الكاملين ومع ذلك لم يكلّفه الشّارع بوجوب ولا تحريم لمصالح دعته إلى ترك تكليفه بهما من التّوسعة عليه وحفظ القوانين الشّرعية من التّشويش وعدم الانضباط وسلّم الملازمة بين حكم العقل بحسن التّكليف لمصلحة فيه وبين حكم الشّرع ولكنّه بنى مع ذلك على أنّ العقل إذا أدرك حسن الفعل يجب اتباعه ما لم يثبت من الشّرع خلافه لكون جهة الفعل من جملة جهات التّكليف ومقتضياته وقال لأن قضيّة جهات الفعل وقوع التكليف على حسبها إن لم يعارضها مانع من جهات التكليف ولا يكفي احتماله إذ المحتمل لا يكفي في نظر العقل لمعارضة المقطوع به ونقول فيما نحن فيه أيضا بناء عدم ثبوت حسن الفعل في الواقع لأجل الجهل بعنوانه إن قبح التجرّي مقتض للحرمة باعتراف من المفصّل فيجب إعمال المقتضي ما لم يثبت المانع جريا على مذهبه وإلزاما له به ومرجع إلى ما ذكرناه وإن كان إلى ما ذكره المصنف رحمهالله من إعمال المقتضي ما لم يثبت المانع كما سنشير إليه في الحاشية الآتية إلاّ أنّ ما ذكرناه أوقع في مقام الإلزام كما لا يخفى (قوله) وعليه يمكن يعني على المنع (قوله) مضافا إلى الفرق إلخ وجه الفرق أنّ ما قدّمناه سابقا من احتمال كون عدم المصادفة الّذي هو أمر لا يرجع إلى الاختيار مانعا من استحقاق العقاب أنّما كان في قبال برهان الخصم حيث كان يدعي اقتضاء ارتكاب ما اعتقده حراما لاستحقاق العقاب وعدم مانعيّة عدم المصادفة ولا ريب أنّه يكفي في نقض برهانه احتمال المانعيّة إذ عليه الإثبات وأمّا فيما نحن فيه فالمفضل يدعي كون التّجري مقتضيا للاستحقاق وأنّ حسن الفعل في الواقع مانع وحيث منعنا من حسنه الواقعي لأجل مجهوليّة عنوان الفعل فعليه أن يثبت مانعيّة ما هو خارج من القدرة ولا يكفيه الاحتمال كما كان يكفينا فيما سبق هذا بالنّسبة إلى