والمرجوح هو الموهوم ويظهر من المحقق القمي رحمهالله كونهما بالمعنى الثّاني بأن يراد بالرّاجح ما يستحق تاركه العقاب وبالمرجوح ما لا يستحق تاركه ذلك حيث قال وبالجملة المراد أنّ الفتوى والعمل بالموهوم مرجوح عند العقل والفتوى والعمل بالرّاجح حسن ووجهه أنّ الأوّل يشبه الكذب بل هو هو بخلاف الثّاني ولا يجوز ترك الحسن واختيار القبيح ويرد عليه أوّلا أنّ حمل لفظي الرّاجح والمرجوح على هذا المعنى خلاف ظاهرهما كما عرفت وثانيا أن حكمه يكون الموهوم هو الكذب بعينه ممّا لا وجه له إذ الصّدق عند المشهور ما كان مطابقا للواقع والكذب ما كان مخالفا له والموهوم قد يكون مطابقا للواقع نعم قد ذهب النّظام إلى كون الصّدق ما كان مطابقا للاعتقاد والكذب ما كان مخالفا له ولكنّه لم يرتضه وثالثا أن الموهوم إذا كان كذبا فلازمه كون المظنون صدقا وليس كذلك إذ الصّدق عنده وعند الأكثر كما عرفت ما كان مطابقا للواقع والمظنون قد يخالفه بل قد يقال بكون الأخبار عن شيء مع كون المخبر به مظنونا داخلا في أفراد الكذب لأنّه إذا قال زيد قائم فظاهره الجزم بوقوع النّسبة فكأنّه قد أخبر عن جزمه ويقينه فلو كان وقوعها مظنونا كان مخالفا للواقع الذي هو كونه جازما به نعم لو أخبر حينئذ عن ظنّه بأن قال ظني أنّه كذا كان صدقا ورابعا مع تسليم كون الأخبار على طبق الوهم كذبا أنّه لا ريب في عدم اتصاف العمل بالوهم به لوضوح كون الصّدق والكذب من أوصاف الكلام دون الأفعال وقد تبين أنّ المراد بالرّاجح والمرجوح في ألفاظ الدّليل هو المظنون والموهوم ويظهر وجه كون اختيار الموهوم على المظنون قبيحا بملاحظة مقدّمتين إحداهما أنّ الغرض من البحث عن الحكم الفرعي وطلبه هو الوصول إلى الواقع ويلزمه أن يكون الأخذ بالمظنون موافقا للغرض لكونه أقرب إلى الواقع من الموهوم فيكون الأخذ بالموهوم منافيا الغرض الثّانية إثبات حكم العقل بالحسن والقبح ليثبت به كون الأخذ بالموهوم سفها قبيحا حتّى يتعين الأخذ بالمظنون لأجل موافقته للغرض وهذه المقدّمة أنّما تثبت على مذهب العدليّة القائلين بالتّحسين والتقبيح العقليين وأمّا على مذهب الأشاعرة المنكرين لذلك فليشكل إثباتها اللهمّ إلاّ أن يقال إنّ الأشاعرة إنّما أنكروا إدراك العقل لحسن الأشياء وقبحها وأمّا كون الأخذ بما لا يوافق الغرض سفها فلعلّهم لا ينكرون ذلك لأن كون الفعل سفها مغاير لكونه قبيحا إذ هو أوضح عند العقل من حكمه بحسن فعل أو قبحه (قوله) بل هو جمع إلخ لأنّه عمل بالاحتياط بحسب العمل في مورد الوهم لا عمل بالوهم بمعنى الاستناد إليه في إثبات الحكم وبعبارة أخرى أنّه عمل بما يصادفه لا به نفسه (قوله) أيضا قبيح إلخ هذا القبح مبنيّ على كون ضمّ مقدمات دليل الانسداد المعروف بينهم إلى دليل قبح ترجيح المرجوح مفروغا عنه فيما بينهم إذ يصحّ حينئذ أن يقال إنّ التّكليف بالأحكام الواقعيّة ثابت وسبيل العلم إليها منسد والاحتياط غير واجب وأصالة البراءة والاستصحاب غير جاريتين وحينئذ يدور الأمر بين العمل بالمظنون والموهوم والعمل بالأوّل متعيّن لأنّ التّوقف عن التّرجيح كترجيح المرجوح قبيح وإن لم تنضم إليه المقدّمات المذكورة أمكن أن يقال بعدم وجوب الإفتاء في الواقعة وبالاحتياط في مقام العمل لأنّ مقتضى القاعدة بعد الانسداد هو وجوب الاحتياط في موارد الاحتياط وحينئذ يرد على المصنف رحمهالله أنّ الدّليل المذكور إذا كان مبنيّا على إحراز مقدّمات دليل الانسداد فلا وقع لما أورده على الدّليل المذكور بالحلّ من تسليم القبح تارة ومنعه أخرى وإرجاعه إلى دليل الانسداد ثالثة كما يظهر بالتّأمّل وإن لم يكن مبنيا على ما ذكر فلا وجه لدعوى قبح التّوقف عن التّرجيح كما عرفت ويمكن أن يكون مراد المجيب بمنع وجوب الترجيح منعه لأجل عدم وجوب الإفتاء في مورد تعذر فيه العلم ولو كان ذلك في مسألة واحدة لا لأجل عدم ثبوت مقدّمات الانسداد بأن يقال إن قبح ترجيح المرجوح على الرّاجح على تقدير العمل بالوهم أنّما يلزم لو ثبت وجوب الإفتاء في مورد تعذر فيه العلم ولم يثبت وجوبه لمخالفة الأخباريين فيه لإيجابهم التوقّف والاحتياط حينئذ ولا ريب أنّه مع التوقف وعدم الإفتاء لا يجب العمل بالظنّ حتّى يقال إنّه لو لم يجب لزم العمل بالوهم وهو يستلزم ترجيح المرجوح على الرّاجح ولكن يرد عليه حينئذ أولا أنّ مخالفة الأخباريين للمجتهدين في وجوب الإفتاء أنّما هي بحسب الصّغرى لأنّهم إنّما أوجبوا التوقّف والاحتياط فيما تعذر فيه العلم لزعمهم انفتاح باب العلم في أغلب الأحكام لأجل الأخبار المتواترة أو المحفوفة بالقرائن القطعيّة وإلاّ فلا مخالفة لهم في وجوب الإفتاء على طبق الظنّ على تقدير عدم قطعيّة الأخبار فمخالفتهم غير قادحة في دعوى الإجماع على وجوب الإفتاء في محل الفرض بعد انكشاف فساد ما توهموه من قطعيّة أكثر الأخبار لما عرفت من عدم مخالفتهم على تقدير تبين فساد المبنى وثانيا أن اتفاق المجتهدين كاف في انعقاد الإجماع على وجوب الإفتاء لعدم الاعتداد بمخالفتهم في الكشف باتفاقهم عن رضا المعصوم عليهالسلام وثالثا أنّه إن أريد بالتّوقف وعدم الإفتاء التّوقف بالنّسبة إلى الحكم الواقعي فهو لا ينافي وجوب الإفتاء بالنسبة إلى الحكم الظّاهري أعني الإفتاء بمقتضى الظنّ وإن أريد به التّوقف بالنّسبة إلى الحكم الظّاهري أيضا فهو وإن كان متعقلا بالنّسبة إلى نفس الإفتاء بأن لا يفتي بشيء أصلا إلاّ أنّ المتوقف عن الفتوى لا بدّ له من الحكم بوجوب الاحتياط في مقام العمل إذ لا معنى للتوقف فيه فالقول بوجوب التّوقف وعدم الإفتاء كرّ على ما فرّ منه لكونه التزاما بوجوب الإفتاء مع عدم الدّليل على وجوب الاحتياط مضافا إلى عدم إمكانه في بعض الموارد كما لو دار الأمر بين المحذورين من الوجوب والحرمة أو اشتبه حكم الحبوة في مال الميت أو حكم منجزات المريض من حيث كونها من الأصل أو الثلث أو دار مال آخر بين شخصين لأنّك إن أعطيته لأحدهما فقد جفوت الآخر فإن سوّيت بينهما فيه فلا دليل عليه وإن قلت لا أحكم فيه بشيء فهو ربّما يؤدّي إلى إتلاف مال اليتيم فكيف تأمن فيه من سخط الملك الجبّار إذا وقفت بين يديه (قوله) النّقض بكثير إلخ كالقياس ونحوه لأنّه إذا نهى الشّارع عن العمل بالظنّ الحاصل منه فمقتضاه تعيّن الرجوع في مورده إلى الأصول والقواعد المعتبرة شرعا ولا ريب في كون مؤدّياتها موهومة بعد حصول الظنّ من القياس على خلافها فلو كان العمل بالموهوم قبيحا عقلا لم يقع ذلك شرعا فإن قلت إنّ ترخيص