يقم دليل على اعتباره وعدم كفاية استلزام الظن بالحكم للظنّ بالضّرر في ذلك كيف وقد تقدّم عند الاعتراض على ما أجاب به الحاجبي عن دليل وجوب دفع الضّرر المظنون تقوية المصنف رحمهالله لوجوب دفع الضّرر المحتمل وحينئذ نقول إنّ قول المصنف رحمهالله بذلك مع قوله بالبراءة في الشبهات البدوية إمّا مبني على ورود قاعدة قبح التكليف بلا بيان على قاعدة وجوب دفع الضّرر المحتمل كما اختاره في مسألة البراءة وحينئذ لا بد أن يراد بما قواه من وجوب دفع الضّرر المحتمل وجوبه مع قطع النّظر عن قاعدة قبح التّكليف بلا بيان ويرد عليه أن هذه القاعدة كما ترد على قاعدة دفع الضّرر المحتمل كذلك ترد على قاعدة دفع الضّرر المظنون بعد فرض كون الاحتمال كالظنّ في حكم العقل وعدم قيام دليل خارجي آخر على اعتبار الظنّ وإمّا مبني على حكومة بناء العقلاء أو الأدلة الشّرعيّة على قاعدة وجوب دفع الضّرر المحتمل مع تسليم ورود هذه القاعدة على قاعدة قبح التّكليف بلا بيان ويرد عليه مع منافاته لما اختاره من عكس ذلك كما عرفت أنّ بلاء العقلاء وكذا الأدلة الشّرعيّة كما أنّهما واردان على قاعدة وجوب دفع الضّرر المحتمل كذلك واردان على قاعدة وجوب دفع الضّرر المظنون وقد ظهر ممّا ذكرناه أنّ الأولى للمصنف رحمهالله أن يمنع الصّغرى أوّلا ويمنع الكبرى ثانيا(قوله) بناء على عدم إلخ لأنّه مع الظنّ بالحكم الإلزامي وعدم جريان أصالة البراءة النّافية لاحتمال العقاب يتحقق احتماله لا محالة فيجب دفعه (قوله) عن الاعتراف إلخ فيما سبق من صورتي الجهل البسيط والمركّب وحاصله أنّ استلزام الظنّ بالوجوب والحرمة لاحتمال العقاب أنّما هو مع قطع النظر عن قاعدة قبح العقاب بلا بيان وأمّا مع ملاحظتها فلا يبقى احتمال العقاب حتّى يجب دفعه بحكم العقل وبالجملة أنّ هنا قاعدتين إحداهما وجوب دفع الضّرر المحتمل والأخرى قبح العقاب بلا بيان والثّانية واردة على الأولى على ما حققه المصنف رحمهالله في مبحث البراءة في مسألة الشّبهة التحريمية الحكميّة فراجع وحينئذ يكون الظنّ بالوجوب أو التحريم كالشّك فيهما في عدم وجوب دفع الضّرر المحتمل في موردهما لأجل ورود قاعدة قبح العقاب بلا بيان على قاعدة دفع الضّرر المحتمل وهنا بحث وهو أن ظاهر المصنف رحمهالله حيث منع الصّغرى على تقدير كون المراد بالضّرر هو الضّرر الأخروي المظنون هو تسليم ورود قاعدة دفع الضّرر المظنون على قاعدة قبح العقاب بلا بيان ولعلّه أيضا ظاهر العلماء وتقديم القاعدة الثانية على الأولى في الضّرر المحتمل وسؤال الفرق حينئذ متجه بعد القول بوجوب دفع الضّرر المحتمل كالمظنون بمطلق الظنّ الذي لم يثبت اعتباره إلا بهذه القاعدة كثبوت اعتبار الاحتمال بها في مورد احتمال الضّرر والمقام يحتاج إلى التّأمّل (قوله) ففيه أيضا منع الصّغرى إلخ حاصله أنّ المصالح والمفاسد الكامنتين اللّتين هما منشأ الأحكام الشّرعيّة أنّما من قبيل المقتضيات دون العلل التّامّة فالظنّ بالحكم أنّما يستلزم الظنّ بالمفسدة الفعلية إذا حصل الظنّ بعدم المانع والظنّ بالحكم لا يستلزم الظنّ بعدم المانع حتّى يستلزم الظنّ بالمفسدة وفيه أنّه بعد فرض حصول الظنّ بالوجوب أو الحرمة لا بدّ من حصول الظنّ بعلّته التّامّة لا محالة وإلاّ لا يحصل الظنّ بأحدهما ومن هنا يظهر أنّه لا وجه لتسليم المصنف رحمهالله لظاهر الجواب كما هو ظاهر إيراده عليه بكون الظنّ بالمقتضى كالظنّ بالعلّة التّامّة عند العقلاء ثمّ إنّ ظاهر منع الصغرى هو تسليم وجوب دفع الضّرر المظنون أعني المفسدة المظنونة وهو كذلك بحكم العقل والعقلاء لبنائهم على التّحرز عن مظان الضّرر إلاّ أنّه يرد عليه أنّ حكم العقل والعقلاء بوجوب دفع الضّرر المظنون إرشادي فلا يترتب عليه سوى ما يترتب على نفس الواقع فغاية ما يترتب على مخالفة هذا الحكم هو ترتب المفسدة الواقعيّة لو كانت موجودة في الواقع لا الحرمة الشرعيّة كما هو المقصود من إثبات حجيّة الظن والتّمسّك في ذلك بالأدلة الشّرعيّة مثل قوله تعالى (وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ) ونحوها يخرج الدّليل من كونه عقليا مع إمكان كونها للإرشاد أيضا(قوله) مقتضى المفسدة إلخ المقتضى على صيغة المفعول وهي الحرمة(قوله) ووجه الضّعف إلخ لا يخفى أنّ حرمة العمل بالظن إما لما ذكره من عدم إغنائه عن الواقع أو لكون التديّن به والالتزام به تشريعا محرما وشيء منهما لا ينافي العمل بالظنّ لأجل دفع الضّرر المظنون الّذي مرجعه إلى الاحتياط وعدم إشارة المصنف رحمهالله هنا إلى الوجه الثّاني إما لوضوحه أو لتقدّمه في كلامه سابقا(قوله) فالأولى أن يقال إلخ حاصله كون المفسدة المظنونة متداركة بالمصلحة المقطوع بها أو المظنونة في العمل بالأصول وأورد عليه سيّدنا الأستاذ دام علاه أولا بأن مقتضى اعتبار وجود المصلحة في الطّرق الظاهريّة هو الالتزام باقتضائها للإجزاء إذا انكشف خلافها كما هو ظاهر المشهور لكنّه خلاف مذهب المصنف رحمهالله لعدم ذهابه إلى إفادتها للإجزاء وقد صرّح في غير موضع من هذا الكتاب بعدم كون مصلحة الطّرق الظّنيّة سوى مصلحة الطّريقيّة وليست هذه الطّرق عنده إلاّ الأوامر العذريّة غير مفيدة لشيء سوى ما يترتّب عليها من ثواب الانقياد بل الالتزام بالمصلحة والمفسدة في الطّرق الظّاهريّة مستلزم للتّصويب وثانيا بأنّ ما ذكره خلاف طريقة الفقهاء بل خلاف طريقته أيضا لأنّهم إنّما عملوا بأصالة البراءة في موارد الظّنون غير المعتبرة من جهة كون التّكليف بلا بيان قبيحا لا من جهة وجود مصلحة في العمل بها كما هو واضح ويمكن دفع الأوّل بناء على القول بوجود المصلحة في الطّرق الظاهريّة بأنّ غاية ما يلزم من ترخيص الشّارع في العمل بالأصل في مقابل الظنّ غير المعتبر وجود مصلحة في الجملة في العمل به وأمّا كونها مصلحة مطلقة فلا لاحتمال كونها مصلحة مقيّدة بعدم مطابقة الأصل للواقع وبعدم انكشاف خلاف الأصل بعد العمل به لاندفاع محظور الترخيص المذكور بذلك فلا دليل على الالتزام بأزيد من ذلك وحينئذ فلا منافاة بين الالتزام بوجود المصلحة في الطّرق الظّاهريّة وبين عدم القول بالإجزاء وتحقيق المقام موكول إلى مصلحة الإجزاء ويمكن دفع الثّاني بأنّ الالتزام بوجود المصلحة في العمل بالأصل في مقابل الظنّ أنّما هو بعد القول باعتبار الأصل قطعا لو ظنّا في مقابل الظنّ وبعبارة أخرى أنّ البحث في مسألة البراءة أنّما هو عن أصل اعتبارها بقاعدة قبح التّكليف بلا بيان أو الإجماع أو الأخبار و