متجه بناء على ما زعمه المحقق القمي رحمهالله من كون عدم وجوب العمل بالاحتياط في مورد الانسداد لأجل عدم الدّليل على وجوبه مع كون اعتبار أصالة البراءة والاستصحاب لأجل إفادتهما الظنّ مطلقا إذ يمكن حينئذ أن يقال إذا انسد باب العلم في مسألة فلا ريب في عدم ارتفاع الحكم الشّرعي واقعا أو ظاهرا عن موردها وحينئذ إما أن يجب الاحتياط والفرض عدمه أو يرجع فيها إلى أصالة البراءة أو الاستصحاب ولا دليل عليهما لعدم إفادتهما الظنّ في مقابل خبر الفاسق مثلا المفروض إفادته للظنّ بالواقع لعدم إمكان حصول الظنّ بطرفي المسألة فلا مناص حينئذ من العمل بالظنّ الحاصل من خبر الفاسق ودعوى المصنف رحمهالله كون ذلك خلاف مذهب الشّيعة مبنيّة على استظهار كون مذهبهم في مثل المقام هو الرّجوع إلى الأصول الجارية بحسب الموارد وسيجيء تفصيل الكلام في ذلك في محلّه إن شاء الله تعالى (قوله) فالأولى لهذا المجيب إلخ لأنّه مع دعوى الضّرر في العمل بالقياس مثلا يرد عليه ما أورده المصنف رحمهالله من أنّ العمل به بمعنى التّدين والالتزام به لا يختص ضرره به لتأتيه في العمل بمطلق الظنّ أيضا بالمعنى المذكور وبمعنى الاحتياط ودفع الضّرر المظنون لا ضرر فيه أصلا بخلاف ما لو أبدل الضّرر في العمل به بالمصلحة في ترك العمل به الّتي يستكشف عنها بنهي الشّارع عن العمل به بالخصوص لفرض عدم المصلحة في ترك العمل بمطلق الظنّ سوى التحرز عن مفسدة التّشريع ولعل الأمر بالتأمّل إشارة إلى أنّ كون النّهي عن القياس مثلا بالخصوص لأجل مصلحة في ترك العمل به وإن كان محتملا إلا أن كونه لأجل مفسدة حرمة التشريع محتمل أيضا فلا دليل على التعيين والأولى أن يقال إنّه على مذهب العدلية من الإماميّة والمعتزلة لا بد أن تكون الأحكام ناشئة من المصالح والمفاسد بمعنى كون الوجوب ناشئا من المصلحة في الفعل والحرمة ما من المفسدة في الفعل أيضا وحينئذ فإذا حرّم الشّارع فعلا كشرب الخمر فالقدر المسلم على قاعدتهم أنّما هو الالتزام بوجود مفسدة في الشّرب دون المصلحة في الترك إذ يكفي في وجوب الترك النّاشئ من حرمة الفعل كونه خاليا من مفسدة الفعل ولا داعي إلى التزام مصلحة أخرى في التّرك وكذا الحال في حرمة العمل بالقياس (قوله) فالأولى أن يجاب إلخ لا يذهب عليك أن الأولى في الجواب أن يردّد الكلام بين أمور بأن يقال إنّ الاستدلال بدليل دفع الضّرر المظنون إمّا مع ضمّ مقدمات دليل الانسداد المعروف إليه أو بدونها وعلى الثّاني فإمّا أن يراد بالضّرر المظنون العقاب الأخروي أو المفسدة المظنونة فعلى الأوّل يئول الدّليل إلى قولنا إن التّكليف بالأحكام الواقعية ثابت وسبيل العلم إليها منسدّ ومخالفة المجتهد لما ظنّه من الوجوب والحرمة مظنّة للضّرر ودفع الضّرر للمظنون واجب فالعمل بما ظنّه واجب وحينئذ نقول إنّ مرجع هذا الدّليل إلى دليل الانسداد المعروف فلا وجه للجمع بينهما وإفراد كلّ منهما بالذّكر في كلام جماعة إلا أن يقال إنّ هنا أدلّة ثلاثة أحدها قاعدة الضّرر المعتبر عنها بوجوب دفع الضّرر المظنون وثانيها قاعدة ترجيح المرجوح وثالثها دليل الانسداد المعروف واختلاف هذه الأدلة أنّما هو بحسب الاعتبار ولحاظ المستدلّ فنظرة في الأوّل إلى كون الظّنّ موافقا للاحتياط لكون ما ظنّه المجتهد من الوجوب والحرمة مظنة للضّرر وفي الثّاني إلى كون الظن أقرب إلى العلم الّذي هو الطّريق إلى الواقع وفي الثّالث إلى كون المظنون أقرب إلى الواقع وهذه الأدلة وإن توقفت على إحراز مقدّمات دليل الانسداد المعروف إلا أنّ اختلافها أنّما هو بالاعتبار على الوجه المذكور فيقال في تقريرها حينئذ إن التّكليف بالأحكام الواقعيّة باق وسبيل العلم إليها منسدّ غالبا وحينئذ إمّا أن نقول إنّ مخالفة المجتهد لما ظنّه مظنّة للضّرر ودفع الضّرر المظنون واجب أو نقول إن عمل المجتهد بخلاف ما ظنّه ترجيح للمرجوح وهو قبيح أو نقول إنّ ما ظنّه المجتهد أقرب إلى الواقع فتعين الأخذ به في حكم العقل وعدم إشارتهم إلى مقدّمات دليل الانسداد المعروف عند تقرير الدّليلين الأولين لعله للإحالة إلى ما ذكروه عند تقرير دليل الانسداد فافهم ذلك لأني لم أجد من تنبّه على ما ذكرناه فيما أعلم والكلام في المقامين الآخرين يظهر من التّأمّل في كلام المصنف رحمهالله وما أعلّقه عليه (قوله) فالصّغرى ممنوعة إلخ حاصله أنّ الظنّ بالحكم الإلزامي أنّما يستلزم الظنّ بالعقاب إذا كانت بين الحكم الواقعي والعقاب ملازمة واقعيّة وليس كذلك لتخلفه فيما فرضه من صورة الجهل بسيطا أو مركّبا نعم الملازمة أنّما هي بين العلم بالحكم الإلزامي أو الظنّ المعتبر به وبين العقاب وليس شيء منهما حاصلا في المقام أمّا الأوّل فمعلوم وأمّا الثّاني فلعدم ثبوت اعتبار الظنّ في المقام ومجرّد عدم جريان أصالة البراءة في صورة الظنّ بالحكم على تقدير تسليمه لا يستلزم الظنّ بالعقاب ما لم تثبت الملازمة الواقعيّة المذكورة غاية الأمر مع عدم جريان أصالة البراءة هو تحقق احتمال العقاب على المخالفة وحينئذ إن قلنا بوجوب دفع الضّرر المحتمل يتجه القول بحجيّة الظنّ وإلا فلا وظاهر المصنف رحمهالله حيث قنع في الجواب على منع الصّغرى هو تسليم الكبرى وهو وجوب دفع الضّرر المظنون على تقدير تسليم الصّغرى وفيه نظر لأنّ الشكّ في التّكليف ابتداء لا يوجب الاحتياط عند الأصوليين بل عند الأخباريين أيضا إذا كانت الشّبهة وجوبيّة لكون المرجع في الشبهات البدوية عندهم هي البراءة دون الاحتياط وإن اختلف الأصوليّون في كون ذلك من جهة العقل أو الشّرع أو بناء العقلاء لأن جماعة منهم قد ادعوا حكم العقل بقبح التّكليف بلا بيان وعدم اقتناعه بالضّرر المحتمل في مقام إلزامه بالاحتياط الّذي هو بيان إجمالي من قبل العقل للجاهل بالحكم الواقعي وبعضهم قد سلم حكم العقل بوجوب دفع الضّرر المحتمل الّذي مقتضاه وجوب الاحتياط في الشّبهات البدوية إلاّ أنّه ادعى ورود الشّرع على البناء على البراءة عند الشّك في التكليف وهذا المسلك سلكه الشّيخ في العدّة حيث أفاد أنّ الأصل في الأشياء هو الخطر وأنّ النّبأ على البراءة للأدلّة النّقلية وبعض آخر سلم أيضا حكم العقل بوجوب التّحرّز عن الضّرر المحتمل إلا أنّه ادّعى بناء العقلاء على خلافه وهذا ممّا سلكه شريف العلماء وسيجيء تفصيل الكلام في محلّه إن شاء الله تعالى وعلى كل تقدير فبناء الأصوليين على اختلاف مشاربهم بل الأخباريين أيضا في الجملة في الشبهات البدوية على البراءة ومن الواضحات عندهم كون الظنّ بالحكم عندهم كالشّكّ فيه ما لم