أنّ هذا الظّن عندهم كسائر الظّنون الشّرعيّة كالبيّنة في الموضوعات وخبر العدل في الأحكام فإنّ ذلك كلّه عندهم على وتيرة واحدة وظاهر المشهور التزام الثّواب والعقاب على مطابقة الأوامر الظّاهريّة ومخالفتها وإن تخلّفت عن الواقع لكون الحكم الظّاهري مرتّبا على الظّنّ المستفاد من هذه الأمارات طابق الواقع أم لا فيكون الظّنّ حينئذ جزء من موضوع الحكم الظّاهري فالحكم الواقعي فيما نحن فيه وإن كان مرتّبا على الضّرر الواقعي إلا أنّ الحكم الظّاهري مرتّب على الظّنّ به مطلقا فمن هنا يظهر أن عدّهم من مسوّغات التّيمّم نفس الضّرر كما تقدّم لا ينافي القول بموضوعيّة الظّنّ من الحكم الظّاهري ولا ينافيه أيضا كون الاحتمال معتبرا في قضيّة حكم العقل بوجوب دفع الضّرر الأخروي المحتمل من باب الطّريقيّة لوضوح الفرق بينهما إذ احتمال الضّرر الأخروي كالقطع به لا يعقل كونه منشأ لحكم شرعي آخر سوى الحكم المحتمل في الواقع إذ الاحتمال لا يزيد على القطع ولا ريب أنّه إذا قطع بعقاب أخروي فلو كان هذا القطع سببا لحكم أخر سوى المقطوع به فيحصل القطع بعقاب آخر لمخالفة هذا الحكم أيضا وهكذا فيتسلسل بخلاف الظّن بالضّرر الدّنيوي فحكم العقل بوجوب الاجتناب في الشّبهة المحصورة لأجل احتمال الضّرر الأخروي إرشادي لا يترتب على موافقته ومخالفته سوى ما يترتّب على نفس الواقع بخلاف حكمه في الضّرر الدّنيوي المظنون وهذا الّذي ذكرناه في الفرق بين الضّرر الأخروي المحتمل والضّرر الدّنيوي المظنون هو الّذي صرّح به المصنف قدسسره في التّنبيه الثّاني من تنبيهات الشّبهة المحصورة فالتّدافع بين المقامين واضح بيّن فراجع ولاحظ وفي بعض النّسخ قد وقع الأمر بالتّأمّل بعد قوله عدم الضّرر فيه ولعلّه إشارة إلى قوله ما قدّمناه من كون الظّنّ في باب الضّرر الدّنيوي مأخوذا من باب الطّريقيّة إلى الواقع وجزءا من موضوع الحكم الظّاهري فحينئذ يندفع التّنافي بين المقامين ثمّ إنّ ظاهر المحقّق حيث حكم ببطلان الغسل فيما لو ظنّ إضرار استعمال الماء بالبدن ثمّ انكشف خلاف ما ظنّه كما أسلفناه هو كون الحكم المرتّب على الظّنّ حكما واقعيّا لا ظاهريّا وإلاّ لكان الأوفق بالقواعد هو الحكم بصحّة الغسل في الصّورة المفروضة لموافقته للأمر الواقعي ومجرّد مخالفة الأمر الظّاهري لا يوجب البطلان مع الموافقة للواقع لا يقال إنّ الحكم بالبطلان لعلّه لعدم تأتي قصد القربة مع مخالفة الأمر الظّاهري لأنّا نقول إنّ الكلام في المقام من حيث الحكم بالصّحة أو الفساد ليس من هذه الحيثيّة بل من حيث مخالفة الحكم المرتّب على ظنّه مع انكشاف خلافه بعد الفراغ من العمل مع قطع النّظر عن الحيثيّة المذكورة ويمكن أن يستدلّ عليه بأنّ المستفاد من قوله تعالى (وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ) هو مبغوضيّة جعل النّفس في معرض الهلاكة سواء كانت في الواقع مهلكة أيضا أم لا لصدق النّهي مع الإقدام مع ظنّ الضّرر وإن لم يكن ضرر في الواقع فموضوع الحرمة هو جعل النفس في عرضة الهلاكة لا الهلاكة الواقعيّة ويؤيده أنّ القبيح في حكم العقل أيضا هو العنوان المذكور لا الوقوع في الهلاكة الواقعيّة بالخصوص وعلى هذا فالضّرر الواقعي ليس بموضوع الحرمة أصلا بل الحرمة مرتبة في الواقع على العنوان المذكور الصّادق بظنّ الضّرر وإن لم يكن ضرر في الواقع فحينئذ لا ترتبط مسألة ظنّ الضّرر بما نحن فيه أصلا كما لا يخفى ولكن الإنصاف أن دعوى كون المرتّب على ظنّ الضّرر حكما واقعيّا لا تخلو عن نظر بل منع وإن مال إليه سيّدنا الأستاذ دام ظلّه في مجلس الدّرس معلّلا بما أسلفناه وذلك فإن ظاهر الآية ترتب الحرمة على الهلاكة الواقعيّة فحينئذ إن قلنا باعتبار الظّنّ بالضّرر عقلا أو شرعا يكون الظنّ طريقا شرعيّا إلى الواقع والحكم المرتّب عليه حكما ظاهريّا وإلاّ فنمنع صدق الآية مع ظنّ الضّرر والتحقيق اعتباره عقلا ولكن لا يترتب عليه مع ذلك حكم ظاهري أيضا فإن حكم العقل بحرمة الإقدام على الضّرر المظنون إرشادي لا يترتّب عليه سوى ما يترتب على نفس الواقع وهو واضح بعد التّأمّل وإن كان خلاف ظاهر المشهور كما تقدّم وكيف كان فلا مدخليّة لمسألة ظن الضّرر في أصل المقصود في المقام وثانيهما حكمهم في مسألة ظن ضيق الوقت بالعصيان بالتّأخير مع انكشاف خلافه وبقاء الوقت فنقول إنّ حكمهم بذلك أنّما يكون من قبيل ما نحن فيه أعني كون الاعتقاد المجرّد عن الواقع مؤثرا في حكم الشّارع بما يناسبه على بعض الوجوه خاصّة وذلك أن حكمهم باعتبار ظنّ ضيق الوقت أنّما هو بدليل الانسداد الجاري في الأحكام الكليّة عند من يرى الانسداد فيها وقد أسلفنا عند بيان انقسام الظنّ كالقطع إلى الموضوعيّة والطّريقيّة وسيجيء في محلّه أيضا أنّ القائلين بالانسداد مختلفون فمنهم من يرى أن مقتضى دليل الانسداد هو حكم العقل وإنشاؤه كون الظنّ المطلق حجّة شرعيّة للمكلّف كسائر الطّرق الشّرعيّة فيكون العقل كالشّرع منشأ للحجية وحاكما باستحقاق ممتثل هذا الطّريق للثواب ومخالفة للعقاب ومنهم من يرى كون العقل مدركا لإنشاء الشّارع بمعنى أنه عند الانسداد يدرك إنشاء الشّارع وجعله للظّنّ حجّة فعلى هذين الوجهين يكون الظّنّ طريقا إلى الواقع وجزءا من موضوع الحكم الظّاهري فلا يكون لهذا الظنّ مدخل فيما نحن فيه إذ الحاصل أنّ المقصود في المقام صيرورة الظنّ المجرّد عن الواقع سببا لوجوب الفعل المعتقد وجوبه أو حرمته كذلك والظنّ بضيق الوقت بناء على اعتباره من باب دليل الانسداد على تقريريه جزء من موضوع الحكم الظّاهري لا سببا لحدوث الوجوب المقصود في المقام كون الاعتقاد المجرّد عن الواقع بنفسه مؤثرا في حكم الشّارع بما يناسبه بأن يحكم الشّارع بالحرمة إذا اعتقد المائع الخارجي خمرا مع كونه خلاّ في الواقع والظّنّ بضيق الوقت على ما ذكر وإن كان طريقا إلى الواقع إلا أنّه جزء من موضوع الحكم الظّاهري فليس من قبيل مجرّد الاعتقاد الذي رتب الشّارع عليه ما يناسبه من