أخبر شخص عن الإمام عليهالسلام وزكاه عدل آخر فمقتضى الآية قبل مثل هذا الخبر لأنّها كما تدل على اعتبار رواية العدل كذلك تدل على اعتبار إخبار العدل عن العدالة فإذا ثبت عدالة المخبر بتزكية العدل وجب قبول مثل خبره بمقتضى مفهوم الآية ولكن يعارضه منطوقها لأنّ مقتضى تعليق وجوب التبيّن على خبر الفاسق الواقعي هو وجوب التبيّن عن خبر هذا المخبر لاحتمال فسقه في الواقع إذ تزكية العدل لا يرفع هذا الاحتمال ويرجّح مقتضى المنطوق لقوته بالنّسبة إلى المفهوم فيثبت وجوب التّبيّن عن خبر هذا المخبر المزكى بتزكية عدل واحد نعم لو كان المخبر مزكى بتزكية عدلين لا يجب التبين عن خبره ولا يعتنى باحتمال فسقه في الواقع لكون اعتبار البينة ثابتا بالإجماع وربّما يجاب عنه بأن دلالة الآية على قبول خبر المزكى يعدل واحد وإن كانت بالمفهوم إلاّ أنّه من حيث كونه من قبيل الدّلالة اللّفظية أقوى من دلالتها بحسب المنطوق على وجوب التبيّن عن خبر هذا المخبر لكونها بالدّلالة الالتزاميّة العقلية لكون ذلك من لوازم تعليق وجوب التبيّن في منطوقها على خبر الفاسق الواقعي وإلاّ فلا ريب في عدم دلالتها على وجوب التّبين عن خبر المخبر المفروض عدم العلم بفسقه وعدالته وفيه أنّ دلالة الآية بمفهومها على وجوب قبول خبر المزكى بتزكية عدل واحد أنّما هي من جهة كون ذلك لازما لوجوب قبول تزكية عدل واحد فدلالتها بالمفهوم على وجوب قبول خبره أيضا بالالتزام لا بالدّلالة التّامّة فالأولى في الجواب هو منع التعارض بين المنطوق والمفهوم لأنّ دلالة المنطوق على وجوب التبيّن عن خبر المزكّى بتزكية عدل واحد كما عرفت أنّما هي من جهة تعليق وجوب التبيّن فيه على خبر الفاسق الواقعي مع عدم العلم بعدالة هذا المخبر في الواقع والمفهوم قد دل على كون هذا المخبر عادلا فيجب قبول خبره من دون تعارض بينهما أصلا لحكومته على مقتضى المنطوق هذا كلّه على تقدير دلالة الآية بحسب مفهومها على وجوب قبول خبر العادل وإلا فقد عرفت عدم نهوضها لإثبات ذلك وقد عرفت أيضا أنّ المتيقّن من الإجماع والأخبار الواردة في المقام هي حجيّة خبر العدل الضّابط الموثوق بالصّدور مع كونه مما قبله الأصحاب وكانت روايته على سبيل السّماع دون الوجادة ولا ريب أن الخبر الجامع لهذه القيود الخمسة قليل الوجود في أخبارنا الموجودة في أيدينا وهو غير كاف في إتمام الفقه وحينئذ لا بدّ في إتمامه من إعمال الظّنون الثّابت اعتبارها بدليل الانسداد نعم يمكن إلغاء القيدين الأخيرين بأن يقال بعدم اعتبارهما في حجيّة أخبار الآحاد أمّا قيد كون الرّواية على سبيل السّماع دون الوجادة فإن اعتبار الرّواة ذلك أنّما هو من جهة التحرّز عن أخذ الأخبار الموضوعة المدسوسة في كتب أصحاب الأئمّة عليهمالسلام كما روي أن يونس بن عبد الرّحمن عرض على سيّدنا أبي الحسن الرّضا عليهالسلام كتب جماعة من أصحاب الباقر والصّادق عليهماالسلام فأنكر منها أحاديث كثيرة أن يكون من أبي عبد الله عليهالسلام وقال إن أبا الخطّاب كذب على أبي عبد الله عليهالسلام وكذلك أصحاب أبي الخطّاب يدسّون الأحاديث إلى يومنا هذا في كتب أصحاب أبي عبد الله عليهالسلام فاعتبارهم كون الرّواية على سبيل السّماع والإجازة دون الوجادة أنّما هو من جهة كون مشايخ الإجازة عارفين بالأخبار ومميّزين بين الموضوعة منها وغيرها فلو لم تكن الرّواية عنهم على سبيل السّماع والإجازة ربّما يؤخذ بما هو من الأخبار الموضوعة فاعتباره أنّما هو للتحرز عن ذلك والأخبار المودّعة في الكتب الأربعة بل وغيرها من الكتب المعتبرة الّتي هي المرجع فعلماؤنا في أمثال زماننا إنّما أودعت فيها بعد النقد والانتخاب كما نبّه عليه صاحب الحدائق وغيره ولا داعي إلى الدّس في هذه الكتب في أمثال زماننا فالدّاعي إلى اعتبار الشّرط المذكور مفقود في العمل بأخبار هذه الكتب لتواترها عن مصنّفيها وعلمنا بعدم الدّس فيها وكون أخبارها مودعة فيها بعد الانتخاب وأمّا قيد كون الخبر مقبولا عند الأصحاب فلوضوح كون اعتبار هذا الشّرط لأجل كون قبول الأصحاب وعدم إعراضهم عنه من القرائن المورثة للوثوق بصدقه لا لأجل خصوصيّة أخرى فيه ويؤيّده أنّ المحقّق في المعتبر أنّما اعتبر في جواز العمل بالخبر غير العلمي وجود أحد أمرين إمّا كون الخبر مقبولا عند الأصحاب أو احتفافه بقرائن الصّدق وحينئذ فاعتبار كون الخبر موثوقا بالصّدور يعني عن اعتبار هذا القيد وممّن صرّح بعدم كون عمل الأصحاب شرطا في جواز العمل بالخبر العلاّمة الطّباطبائي في فوائده قائلا عدم تعرض الأصحاب لرواية في مسألة ليس من القدح في شيء فإنّ الرّواية متى صلحت للاحتجاج صحّ التمسّك بها ولم يتوقف على سبق الاحتجاج بها من غير هذا المستدل كيف ولو كان كذلك لوقفت الأدلّة على المستدل الأوّل وامتنع التّعدي عنه بتكثير الدّلائل وتحقيق المسائل ولو حب القدح في أكثر الاحتجاجات المذكورة في كتب الأصحاب فإنّ المتأخرين عن الشهيد الثّاني قد زادوا عليه كثيرا وهو قد زاد عليّ الشّهيد الأوّل وقد زاد الشهيدان على الفاضلين والفاضلان على الشيخين والشيخان على من تقدمها وقد جرت سنة الله تعالى في عباده وبلاده بتكامل العلوم والصّنائع يوما فيوما بتلاحق الأفكار واتساع الأنظار وزيادة كلّ لاحق على سابق إما بزيادة تتبعه وعثورة على ما لم يعثر عليه الأوّل ووقوفه على ما لم يقف عليه أو لأن أفكار الأوائل وأنظارهم هيئات له فكرا زائدا ونظرا صائبا فزاد عليهم بما أخذ منهم أو لعناية ربانية ولطف مخصوص ساق إلى المتأخر زلفة وكرامة تختصّ به وليس في شيء من ذلك ما يزري بحال المتقدّمين أو ينقص عن جلالتهم أو يطعن فيهم ولنعم ما قال الشيخ الفقيه ابن إدريس رحمهالله في خاتمة كتاب السّرائر لا ينبغي لمن استدرك على من سلف وسبق إلى بعض الأشياء أن يرى لنفسه الفضل عليهم لأنّهم إنّما زلّوا حيث زلّوا لأنّهم كدوا أفكارهم وشغلوا أذهانهم في غيره ثمّ صاروا إلى الشيء الّذي زلوا فيه بقلوب قد كلّت ونفوس قد سئمت وأوقات ضيقة وأمّا من يأتي بعدهم فقد استفاد ما استخرجوه ووقف على ما استظهروه من غير كدّ ولا كلفة وخصلت له بذلك رياضة واكتسب قوّة فليس بعجيب إذا صار إلى حيث زلّ فيه من تقدّم وهو موفور القوى متّسع الزّمان لم يلحقه ملل ولا خامرة ضجر أن يلحظ ما لم يلحظوه ويتأمّل