حجيّة القدر المتيقن المجمع عليه أمّا الإجماع فإنّه لما كان أمرا لبيّا وكان مناط اعتباره كشفه على سبيل القطع عن الواقع فلا بدّ فيه من الأخذ بما هو المتيقّن من مورده وحينئذ لا بدّ من بيان الوجوه المحتملة في اعتبار أخبار الآحاد والأخذ بما هو المتيقّن منها لأن منها ما كان أخصّ من الآخر فلا بدّ من الأخذ به وما كان منها أعم من الآخر من وجه فلا بدّ فيه من الأخذ بمورد اجتماعهما وما كان مباينا للآخر ولا بدّ فيه من الأخذ بهما أخذا بالمتيقّن في تحصيل الإجماع وحينئذ نقول إن ما يحتمل في حجيّة خبر الواحد من باب الوصف أمران لأنّ منهم من قال باعتباره من حيث إفادته الظنّ من دون نظر إلى حال الرّاوي والرّواية وربّما عزي ذلك إلى الشيخ نظرا إلى اشتراطه في حجيّة كون الرّاوي متحرزا عن الكذب ومنهم من قال باعتباره من حيث إفادته للوثوق والاطمئنان بالصّدور كما حكي عن قدماء الأصحاب وظاهر أنّ الثّاني أخصّ من الأوّل أنه كل من يعمل بخبر مظنون الصّدور يعمل أيضا بخبر موثوق الصدور ولا عكس فلا بدّ في تحصيل الإجماع من اعتبار كونه موثوقا بالصّدور وما يحتمل في حجيّته من حيث ملاحظة الرّاوي أو الرّواية أمور أحدها كون الرّاوي عدلا وعزي في المعالم اعتبار هذا الشّرط إلى الأكثر فيكون لخبر العدل جهة موضوعية إذ لعلّ الشّارع قد جعل خبر العدل لأجل ما في صفة العدالة من الشرف معتبرا من باب التعبد ولا بدّ من الأخذ بذلك أيضا لأنّه المتيقّن بالنّسبة إلى خبر من لم يكن عدلا وإن اعتبره جماعة أيضا وقد تقدّم في كلام الشّيخ الذي نقله المصنف رحمهالله دعوى الإجماع على اعتبار هذا الشّرط نعم قال المحقّق البهائي ليس مراد الشّيخ اشتراط العدالة مطلقا بل حيث تنتفي قرائن صدق الخبر والوثوق بصدوره على وجه الخصوص فيكون اعتبار العدالة عنده لأجل كونها من القرائن العامة لصدق الخبر فالمعتبر عنده أولا هي القرائن الخاصّة ثمّ القرائن العامّة وقال بعض مشايخنا إنّ الشّيخ وإن ادعى الإجماع على اشتراط العدالة إلا أنّ مراده منها ليس هو المعنى المعتبر في الشهادة لأنه قد ادعى الإجماع على العمل بأخبار جماعة من العامة والفطحيّة وغيرهم وهي لا تجتمع مع دعوى الإجماع على اشتراط العدالة بالمعنى المعتبر في باب الشّهادة لكونه فرع الإيمان فلا بدّ أن يكون مراده بالعدالة هو مجرّد التحرّز عن الكذب كما هو صريح كلامه الّذي نقلناه عنه عند شرح ما يتعلّق بكلامه وأقول ربّما ينافيه قوله بعد نفي الخلاف في اعتبارها ومن خالف الحقّ لم تثبت عدالته بل ثبت فسقه كما تقدّم فيما نقله عنه المصنف رحمهالله فلا بدّ من الالتزام بما ذكره البهائي أو الحكم بالتّنافي بين كلماته ولكن بعد البناء على الأخذ بالمتيقّن لا يهمّنا إثبات الإجماع على اعتبار العدالة بالمعنى المعتبر في باب الشّهادة لكفاية مجرّد احتماله كما لا يخفى وأمّا كون الرّاوي ضابطا فقد اشترطه جماعة أيضا فلا بدّ من الأخذ به أيضا في مقام الأخذ بالمتيقّن الثّاني كون الخبر ممّا قبله الأصحاب وقد اعتبره المحقّق وتبعه المحدّث البحراني والنّسبة بينه وبين اعتبار كون الرّاوي عدلا عموم من وجه فلا بد من الأخذ بمورد اجتماعهما وهو كون الخبر مع عدالة راويه ممّا قبله الأصحاب الثّالث كون الخبر مأخوذا على وجه السّماع من الشّيخ دون الوجادة وهذا الشّرط وإن لم يعتبره الأصحاب إلاّ أنّ قضيّة الأخذ بالمتيقّن تعطى اعتباره أيضا لأنّ ظاهر الرّواة اعتباره كما يشهد به ما حكي عن أحمد بن محمّد بن عيسى أنّه جاء إلى الحسن بن علي بن الوشاء وطلب منه أن يخرج إليه كتابا لعلاء بن رزين وكتابا لأبان بن عثمان الأحمر فأخرجهما فقلت أحبّ أن أسمعهما فقال لي رحمك الله ما أعجلك اذهب فاكتبهما واسمع من بعد فقلت له لا آمن الحدثان فقال لو علمت أنّ الحديث يكون له هذا الطّلب لاستكثرت منه فإنّي قد أدركت في هذا المسجد تسعمائة شيخ كلّ يقول حدّثني جعفر بن محمّد عليهالسلام وعن حمدويه عن أيّوب بن نوح أنّه دفع إليه دفترا فيه أحاديث محمّد بن سنان فقال إن شئتم أن تكتبوا ذلك فافعلوا فإنّي كتبت عن محمّد بن سنان ولكن لا أروي لكم عنه شيئا فإنّه قال قبل موته كلّما حدثتكم به فليس بسماع ولا برواية وإنّما وجدته وعن عليّ بن الحسن بن فضال أنّه لم يرو كتب أبيه الحسن عنه مع مقابلتها عليه وإنّما يرويها عن أخويه أحمد ومحمّد عن أبيه واعتذر عن ذلك بأنّه يوم مقابلة الحديث مع أبيه كان صغير السّنّ ليس له كثير معرفة بالرّوايات فقرأها على أخويه ثانيا وكيف كان فالمتحصّل ممّا ذكرناه أنّ المتيقّن من إجماعهم قولا وفعلا على العمل بأخبار الآحاد هو الخبر الموثوق بالصدور الّذي لم يعرض عنه الأصحاب وكان راويه عدلا وضابطا وكانت روايته على سبيل السّماع دون الوجادة وأمّا الأخبار فالمتحصّل من تراكمها أيضا ليس إلاّ اعتبار ما هو القدر المتيقّن الاعتبار لأنّ أوضحها دلالة هي الأخبار الآمرة بالرّجوع إلى أشخاص مخصوصين كزرارة وأبي بصير وزكريا بن آدم وأمثالهم ومن القريب أن أمر الإمام عليهالسلام بالرّجوع إليهم أنّما هو لأجل إفادة خبرهم الوثوق والاطمئنان بل ربّما يحصل القطع من خبرهم فالحاصل منها أيضا ليس بواف بإتمام الفقه إذ خبر العدل الواقعي أو الثّابت عدالته بطريق شرعي لا بالظنون الاجتهاديّة مع كونه موثوقا بالصدور قليل الوجود فاللاّزم مع عدم تيسر ظنون مخصوصة وافية بإتمام الفقه هو الأخذ بالظّنون الثابت اعتبارها بدليل الانسداد وأمّا الآيات فقد تقدّم في كلام المصنف رحمهالله وما علقناه عليه عدم دلالة شيء منها على المطلوب ومع التّسليم فإنّما تدلّ على حجيّة الخبر الصّحيح على مصطلح المشهور وليست هي كالإجماع أمرا لبيّا لا بد من الأخذ بالمتيقّن منه ولا كالأخبار واردة في أشخاص مخصوصين يحتمل كون أمر الإمام عليهالسلام بالرّجوع إليهم لأحل إفادة خبرهم للوثوق بما أخبروا به لأنّ آية النّبإ مثلا على تقدير تسليم دلالتها فإنّما تدلّ بمفهومها على حجيّة خبر العدل وكذا على اعتبار شهادة عدل واحد فتدل على اعتبار خبر قد زكي رجال سنده بعدل واحد والعجب أنّ صاحب المعالم مع قوله بدلالة الآية على حجيّة خبر العدل قد أنكر دلالتها على حجيّة الخبر الصّحيح على مصطلح المشهور استنادا إلى تعارض مفهوم الآية مع منطوقها ورجحان منطوقها لأجل قوته بالنّسبة إلى المفهوم وتوضيح ذلك أنّ الآية بمفهومها تدل على حجيّة خبر العدل الواقعي كما هو مقتضى وضع الألفاظ للمعاني الواقعية فإذا