إجماع السّيّد بالأخبار الّتي تختصّ طرقها بالمخالفين لعدم منافاته عمل السّيّد حينئذ بالأخبار المدونة في كتب أصحابنا وإن تجردت عن القرائن وفيه أنّه مناف لتصريح السّيّد بحصر العمل في الأحكام المعلومة بالضّرورة أو الإجماع أو الأخبار المتواترة كما نقله عنه في المعالم فيما يأتي من كلامه وثالثها ما سيذكره المصنف رحمهالله من حمل العلم في كلام السّيّد على العلم العرفي أعني الوثوق والاطمئنان كما يشهد به ما سيحكيه عن السّيّد وبعض الأخباريين بل قيل ربّما يستفاد ذلك من الحلّي أيضا وحمل معقد إجماع الشيخ بما أفاد الوثوق نظرا إلى أنّ اشتراطه كون الرّاوي من أصحابنا غير مطعون في روايته سديدا في نقله أنّما هو لأجل كون ذلك من أسباب الوثوق لا لأجل خصوصيّة في هذه القيود ثمّ إنّ ما ذكرناه من التعبير بالعلم العرفي أولى من تعبير بعضهم في المقام بالعلم العادي لاتحاده مع العلم الوجداني في اعتبار الجزم بالواقع في مفهومهما لأنّ اختلافهما أنّما هو بحسب اختلاف أسبابهما إذ العلم العادي هو الجزم الحاصل من جريان العادة على شيء مثل أن علمنا بعدم صيرورة الأواني الموجودة في البيت علماء فضلاء أنّما هو لأجل علمنا بعدم جريان عادة الله سبحانه على ذلك وباعتباره يسمّى علما عاديا والعلم الوجداني هو الجزم الحاصل من سائر الأسباب بخلاف العلم العرفي فإنّه مبني على إطلاق اسم العلم على الوثوق مسامحة وكيف كان فيرد عليه أنّ تنزيل كلام السّيّد على إرادة العلم العرفي أعني الوثوق في غاية البعد لأنّه كما نقله عنه صاحب المعالم يدعي كون أكثر الأحكام معلومة بالضّرورة والأخبار المتواترة والإجماع ومعه كيف يمكن تنزيل العلم في كلامه على المعنى المذكور ومع التّسليم فلا بدّ من حمل كلامه على إرادة أعلى مراتب الوثوق وحمل كلام الشّيخ على أوّل مراتبه لأنّ السّيّد قد طرح كثيرا من الأخبار الّتي عمل بها الشّيخ معللا بأنها من الآحاد الّتي لا توجب علما ولا عملا إذ الأخبار الّتي أودعها الشّيخ في كتبه الأخباريّة والاستدلالية قد عمل بها لأنّه إن طرح جملة منها في كتاب قد عمل بها في آخر وبالجملة أنّ الشّيخ قد عمل بكثير من الأخبار الّتي طرحها السّيّد ويبعد في الغاية أن يكون ما طرحه السّيّد وعمل به الشيخ على كثرته غير موثوق بالصّدور عند السّيّد وموثوقا به عند الشّيخ سيّما مع ملاحظة اتحاد عصرهما ورابعها حمل معقد إجماع السّيّد على صورة الانفتاح ومعقد إجماع الشّيخ على صورة الانسداد ويشهد بالأوّل أمران أحدهما تصريح السّيّد بجواز العمل بالظنّ في صورة الانسداد حيث قال في جملة كلام محكي عنه في المعالم في مبحث أمر الآمر مع العلم بانتفاء شرطه ويكون الظنّ في ذلك قائما مقام العلم وقد ثبت أنّ الظنّ يقوم مقام العلم إذا تعذر العلم فأمّا مع حصوله فلا يقوم مقامه وكلامه طويل أخذنا منه موضع الحاجة وثانيهما تصريحه بانفتاح باب العلم لأنّه فيما حكاه عنه في المعالم أورد على نفسه بقوله فإن قيل إذا سددتم طريق العمل بالأخبار فعلى أيّ شيء تعوّلون في الفقه كلّه وأجاب عنه بما حاصله أنّ معظم الفقه يعلم بالضّرورة من مذهب أئمّتنا عليهمالسلام فيه وبالأخبار المتواترة وما لم يتحقّق ذلك فيه ولعلّه الأقل يعوّل فيه على إجماع الإماميّة وذكر كلاما طويلا في حكم ما وقع فيه الاختلاف بينهم ومحصّله أنّه إذا أمكن تحصيل القطع بأحد الأقوال من طرق ما ذكرناه تعيّن العمل به وإلاّ كنّا مخيرين في العمل بأحد الأقوال المختلفة ويشهد بالثّاني أيضا أمران أحدهما أخذ دعوى السّيّد للإجماع على عدم الحجيّة في زمان الانفتاح قرينة على حمل كلام الشّيخ على صورة الانسداد وثانيهما تصريح الشّيخ في آخر كلامه الذي نقله عنه المصنف رحمهالله بأن الأخذ بالقرائن القطعيّة يوجب طرح أكثر الأخبار والأحكام ويرد عليه أوّلا أنّ الشّيخ يدعي الإجماع حتّى في عصر النّبي صلىاللهعليهوآله والأئمة عليهمالسلام ولا ريب في انفتاح باب العلم في عصرهم بالتّمكن من سؤالهم اللهمّ إلاّ أن يلتزم بالانسداد في تلك الأعصار أيضا بل ربّما يدعى مع ذلك انفتاحه في زمان السّيّد والشّيخ وذلك لعدم تمكّن أكثر الرعية من الوصول إلى خدمة الأئمّة عليهمالسلام وأخذ الأحكام منهم غالبا ولم تكن الأصول أيضا مجتمعة عند كلّ واحد من الرّواة في ذلك الزّمان إذ كان عند كلّ واحد منهم أصل أو أصلان مثلا سيّما مع عدم تمكن الأئمة عليهمالسلام في أغلب أوقاتهم من بيان الأحكام الواقعيّة بخلاف زمان السّيّد والشّيخ لانتشار الأخبار في ذلك الزّمان واجتماع الأصول المعتمدة عند العلماء بحيث أمكن لهما تحصيل العلم بأغلب الأحكام لأجل ملاحظة الأخبار المتكررة المتكاثرة أو المتواترة في أغلب الأحكام ولذا ادعى السّيّد كون أكثر الأحكام معلومة بالضّرورة والأخبار المتواترة فتأمل وثانيا أن الانسداد الّذي حمل كلام الشّيخ عليه إن أريد به الانسداد الأغلبي الّذي مقتضاه اعتبار مطلق الظنّ في إثبات الأحكام الشّرعيّة من دون خصوصيّة للأخبار كما هو المتعارف عند القائلين بالانسداد يرد عليه أنّه لا يناسب مذهب الشيخ لأنه إنّما يقول باعتبار الأخبار من حيث الخصوصيّة كالبيّنة ولذا تمسّك في إثبات اعتبارها بآية النّبإ والإجماع ونحوهما ويؤيده بل يدلّ عليه عدم عمل الشّيخ بالشّهرة والأولويّة ونحوهما من الظنون الّتي لم يثبت اعتبارها بالخصوص وإن أريد به الانسداد في الجملة ولو في بعض المسائل يرد عليه أنّ السّيّد أيضا لا ينفي ذلك لأنّه إنّما يدعي الانفتاح في الأغلب اللهمّ إلاّ أن يدفع باختيار الشّق الأوّل بناء على القول بكون نتيجة دليل الانسداد مهملة كما سيجيء في محلّه لجواز الاستدلال به حينئذ على اعتبار أخبار الآحاد من باب الظّنون الخاصة كما صنعه في المعالم وغيره وإن كان المحقّق القمي قد زعم التنافي بينهما ولعله سيأتي توضيح المقام في مقام آخر وكيف كان فالحقّ ما ادعاه الشيخ كما أشار إليه المصنف رحمهالله وستقف على توضيحه ثمّ إنّ صاحب المعالم قال وبقي الكلام في التّدافع الواقع بينما غراه يعني السّيّد إلى الأصحاب وبينما حكيناه عن العلاّمة في النهاية فإنّه عجيب ويمكن أن يقال إنّ اعتماد المرتضى فيما ذكره على ما عهده من كلام أوائل المتكلّمين منهم والعمل بخبر الواحد بعيد عن طريقتهم وقد مرت حكاية المحقق عن ابن قبّة وهو من أجلتهم القول بمنع التعبد به عقلا وتعويل العلاّمة على ما ظهر له من كلام الشّيخ وأمثاله من علمائنا