القول في العدالة المراعاة في هذا الباب ثمّ ساق الكلام في بيان حكم المتعارضين غير المحفوف أحدهما بالقرائن القطعيّة إلى أن قال أمّا العدالة المراعاة في ترجيح أحد الخبرين على الآخر فهو أن يكون الرّاوي معتقدا للحقّ مستبصرا ثقة في دينه متحرّزا عن الكذب غير متهم فيما يرويه فأمّا إذا كان مخالفا في الاعتقاد في أصل المذهب وروى مع ذلك عن الأئمّة عليهمالسلام نظر فيما يرويه فإن كان هناك من طرق الموثوق بهم ما يخالفه وجب اطراح خبره وإن لم يكن هناك ما يوجب اطراح خبره ويكون هناك ما يوافقه وجب العمل به وإن لم يكن هناك من الفرقة المحقة خبر يوافق ذلك ولا يخالفه ولا يعرف لهم قول فيه وجب أيضا العمل به لما روي عن الصّادق عليهالسلام أنّه قال إذا نزلت بكم حادثة لا تجدون حكمها فيما روي عنّا فانظروا إلى ما رووه عن علي عليهالسلام فاعملوا به ولأجل ما قلناه عملت الطّائفة بما رواه حفص بن غياث وغياث بن كلوب ونوح بن دراج والسّكوني وغيرهم من العامة عن أئمتنا عليهمالسلام فيما لم ينكروه ولم يكن عندهم خلافه وأمّا إذا كان الرّاوي من فرق الشيعة مثل الفطحيّة والواقفية والناووسية وغيرهم نظر فيما يروونه فإن كان هناك قرينة تعضده أو خبر آخر من جهة الموثوقين بهم وجب العمل به وإن كان هناك خبر آخر يخالفه من طريق الموثوقين بهم وجب اطراح ما اختصوا بروايته والعمل بما رواه الثقة وإن كان ما رووه ليس هناك ما يخالفه ولا يعرف من الطّائفة العمل بخلافه وجب أيضا العمل به إذا كان متحرزا بروايته موثوقا به في أمانته وإن كان مخطئا في أصل الاعتقاد ولأجل ما قلناه عملت الطّائفة بأخبار الفطحيّة مثل عبد الله بن بكير وغيره وأخبار الواقفيّة مثل سماعة بن مهران وعلي بن أبي حمزة وعثمان بن عيسى ومن بعد هؤلاء بما رواه بنو فضال وبنو سماعة والطّاطريون وغيرهم فيما لم يكن عندهم فيه خلاف فأمّا ما يرويه الغلاة والمتّهمون والمضعفون وغير هؤلاء فما يختص الغلاة بروايته فإن كانوا ممّن عرف لهم حال استقامة وحال غلوّ عمل بما رووه في حال الاستقامة وترك ما رووه في حال خلطهم ولأجل ذلك عملت الطائفة بما رواه أبو الخطّاب محمّد بن أبي زينب في حال استقامته وترك ما رواه في حال تخليطه وكذلك القول في أحمد بن هلال العبرتائي وابن أبي عذافر وغير هؤلاء وأمّا ما يروونه في حال تخليطهم فلا يجوز العمل به على كلّ حال وكذلك الحال فيما يرويه المتّهمون والمضعفون إن كان هنا ما يعضد روايتهم ويدلّ على صحّتها وجب العمل به وإن لم يكن هناك ما يشهد لروايتهم بالصّحة وجب الوقوف في روايتهم ولأجل ذلك توقّف المشايخ عن أخبار كثيرة هذه صفتها ولم يرووها واستثنوها في فهارستهم من جملة ما يروونه من التصنيفات فأمّا من كان مخطئا في بعض الأفعال أو فاسقا بأفعال الجوارح وكان ثقة في روايته متحرزا فيها فإن ذلك لا يوجب ردّ خبره ويجوز العمل به لأنّ العدالة المطلوبة في الرّواية حاصلة فيه وإنّما الفسق بأفعال الجوارح يمنع من قبول شهادته وليس بمانع من قبول خبره ولأجل ذلك قبلت الطائفة أخبار جماعة هذه صفتهم انتهى كلامه رفع مقامه وأنت إذا تأمّلت فيه تستفيد منه أمورا أحدها دعوى الإجماع على حجيّة أخبار الآحاد في مواضع وثانيها التّصريح بكون معقد إجماعه الأخبار العارية عن القرائن القطعيّة وثالثها كون مراده بالعدالة المعتبرة في الرّواية هو التحرّز عن الكذب وإن كان فاسقا بأفعال جوارحه ثمّ إنّه قال في موضع آخر بعد ما نقلناه عنه إذا كان أحد الرّاويين مسندا والآخر مرسلا نظر في حال المرسل فإن كان ممّن يعلم أنّه لا يروي إلاّ عن ثقة موثوق به فلا ترجيح لخبر غيره على خبره ولأجل ذلك سوّت الطّائفة بينما يرويه محمّد بن أبي عمير وصفوان بن يحيى وأحمد بن محمّد بن أبي بصير وغيرهم من الثقات الّذين عرفوا بأنّهم لا يروون ولا يرسلون إلاّ عمّن يوثق به وبينما يسنده غيرهم ولذلك عملوا بمراسيلهم إذا انفردت عن رواية غيرهم ثمّ قال إذا انفردت المراسيل فيجوز العمل بها على الوجه الذي ذكرناه ودليلنا على ذلك الأدلّة الّتي قدّمناها على جواز العمل بأخبار الآحاد فإن الطّائفة كما عملت بالمسانيد عملت بالمراسيل فما يطعن في واحد منهما يطعن في الآخر وما أجاز أحدهما أجاز الآخر فلا فرق بينهما على حال انتهى (قوله) على كتاب معروف إلخ في منتهى المقال الكتاب مستعمل عندهم في معناه المعروف أعم وهو مطلقا من الأصل والنّوادر فإنّه يطلق على الأصل كثيرا منه ما يأتي في ترجمة أحمد بن محمد بن عمار وأحمد بن ميثم وإسحاق بن جرير والحسين بن أبي العلاء وبشار بن يسار وبشر بن مسلمة والحسن بن رباط وغيرهم وربما يطلق في مقابل الأصل كما في ترجمة هشام بن الحكم ومعاوية بن الحكيم وغيرهما وربّما يطلق على النّوادر وهو أيضا كثير منه قولهم كتاب النّوادر وفي أحمد بن الحسين بن عمر ما يدل عليه وكذا يطلق النوادر في مقابل الكتاب كما في ترجمة ابن أبي عمير وأمّا المصنّف فالظّاهر أنّه أيضا أعمّ منهما فإنّه يطلق عليهما كما يظهر في ترجمة أحمد بن ميثم ويطلق بإزاء الأصل كما في هشام بن الحكم وديباجة الفهرست وأمّا النّسبة بين الأصل والنّوادر فالأصل أنّ النّوادر غير الأصل وربّما يعدّ من الأصول كما يظهر من ترجمة جرير بن عبد الله وغيره وبقي الكلام في معرفة الأصل والنوادر نقل ب عن المفيد أنّ الإماميّة صنّفت من عهد أمير المؤمنين عليهالسلام إلى زمان العسكري عليهالسلام أربعمائة كتاب تسمى الأصول انتهى أقول لا يخفى أنّ مصنّفاتهم أزيد من الأصول فلا بد من وجه تسمية بعضها أصولا دون بعض فقيل إنّ الأصل ما كان مجرّد كلام المعصوم عليهالسلام والكتاب ما كان فيه كلام مصنّفه أيضا وأيّد ذلك بقول الشّيخ في زكريّا بن يحيى الواسطي له كتاب الفضائل وله أصل وفي التّأييد نظر إلا أن ما ذكره لا يخلو عن قرب وظهور واعترض بأن الكتاب أعمّ وفيه أنّ الغرض بيان الفرق بين الكتاب الّذي ليس بأصل ومذكور في مقابلة والكتاب الّذي هو أصل وبيان سبب قصر تسميتهم الأصل في الأربعمائة ويظهر من كلام الشّيخ في أحمد بن محمّد بن نوح أنّ للأصل ترتيبا خاصا قيل في وجه الفرق أنّ الكتاب ما كان مبوّبا ومفصّلا والأصل