الواقع وثانيهما إنشاء صفة الانكشاف لهذه المدلولات فمقتضى هذه الأدلّة كون الأمارات مثبتة لكلّ من الأمرين فيترتّب على كلّ منهما حكمة ولكنّك خبير بأن هذين أمران متغايران وثانيهما متأخّر رتبة عن الأوّل فهما محتاجان إلى إنشاءين مختلفين وأدلة الإنشاء غير قابلة لإرادة هذين الإنشاءين وإلاّ لزم استعمال اللّفظ في أكثر من معنى واحد فظهر من ذلك أنّا لو قلنا بكون صفة الانكشاف من الأمور الشّرعيّة أيضا دون العقليّة لا تثبتها الأمارات فمع ذلك كيف يدعى قيامها مقام العلم الّذي أخذ جزءا من موضوع الحكم الواقعي نعم هنا شيء وهو أنّه لو قامت البيّنة على أنّ المائع الخارجي بول معلوم مثلا أمكن أن يرتّب عليه الحكم المرتّب على البول المعلوم كالنّجاسة بناء على ترتبها على الموضوعات المعلومة على ما يراه صاحب الحدائق كما تقدّم فإنّه مقتضى تنزيل مدلول البيّنة منزلة نفس الواقع فإنّه لا فرق في عموم هذا التنزيل بين إخبار البيّنة عن الواقع وإخباره عن العلم فإنّ مقتضى التّنزيل فرض كلّ منهما محققا في الواقع ولكن هذا خارج من محلّ الكلام كما لا يخفى مع أنّه أيضا لا يخلو عن إشكال فإنّ موضوع النّجاسة على مذهب صاحب الحدائق هو الموضوع المنكشف لنفس المكلّف دون غيره وبالجملة لا يعقل وجه لصحّة قيام الأمارات مقام العلم في محلّ الفرض ولو فرض إقامة الشّارع بعض الأمارات مقامه في بعض الموارد كإقامة اليد مقام علم البيّنة كما في رواية حفص بن غياث المتقدّمة فلا بدّ فيه من التزام إعطاء الشّارع حكم الواقع المنكشف لنفس الواقع إذا قامت عليه هذه الأمارة المنصوصة فلا بد حينئذ من الاقتصار على مورد النّص لكونه على خلاف الأصل لفرض عدم اقتضاء عموم دليل اعتبار الأمارة ذلك كما عرفت بل هو نظير إعطاء حكم الماء للتراب عند فقده وهذا غاية توضيح ما أورده سيّدنا الأستاذ أدام الله بقاءه من الإشكال في المقام ولكنّه عندي لا يخلو عن نظر فإنّك لو تأمّلت فيما قدّمناه عند بيان الإشكال في قيام الاستصحاب مقام العلم المأخوذ على النّحو المفروض في المقام بناء على اعتباره من باب التّعبّد دون الظّنّ من الفرق بين جعل الأمارات والأصول التعبّدية لزالت عنك وسمة الشّبهة هنا نعم عمدة الإشكال الّتي لا يكاد تندفع هو ما قدّمناه في قيام الاستصحاب مقام العلم المذكور والله العالم بحقائق الأمور (قوله) وينبغي التّنبيه على أمور الأوّل اعلم أنّ ظاهر كلام المصنف قدسسره أنّ هذا التنبيه من فروع اعتبار القطع من باب الطّريقية المحضة التي قد عرفت الكلام في كيفيّتها وثمرتها وليعلم هنا أمور أحدها أنّه إذا فرض كون الحكم الواقعي مرتّبا على الموضوع الواقعي واعتبر القطع من باب الطّريقيّة المحضة لإثبات أحكام متعلقه فلا ريب أنّ القاطع بالحكم حينئذ يحصل عنده كبرى كلية لصغرى حصّلها بالوجدان فيحصل له القطع بالنّتيجة وقد تقدّم سابقا أنّ القاطع إذا اعتبر قطعه من باب الطّريقيّة المحضة لا يحتاج في العمل بقطعه إلى أزيد من الأدلّة المثبتة لأحكام متعلّق قطعه فحينئذ لا يخلو إمّا أن يكون قطعه مصادفا للواقع أو مخالفا له وعلى الثّاني إمّا أن يعمل بمقتضى قطعه أو لا وموضوع المسألة ومورد الأقوال نفيا وإثباتا وتوقفا في حرمة التجري وترتّب العقاب على الفعل المتجري به هو القسم الثّالث ولكن مقتضى المقابلة بينه وبين القسم الثّاني هو جريان الأقوال المذكورة في القسم الثّاني أيضا من حيث الحكم بوجوب الفعل الّذي قطع بوجوبه أو حرمته كذلك وترتّب الثّواب على إتيان الفعل الّذي اعتقد كونه مأمورا به أو على ترك الفعل الّذي اعتقد كونه منهيّا عنه وعدم تعميم المصنف لعنوان المسألة بما يشمل ذلك أيضا إمّا لمعلوميّة ذلك بحكم المقابلة والمقايسة وإمّا لاختصاص مورد الأقوال بالقسم الثّالث لعدم تعرضهم لغيره وأمّا القسم الأوّل فالظّاهر أنّه لا أثر للقطع فيه عندهم سوى ما يترتّب على مطابقة نفس الواقع ومخالفته وثانيها أنّك قد عرفت أنّ ظاهر كلام المصنف كون هذا البيّنة من فروع اعتبار القطع من باب الطّريقيّة المحضة وأمّا ما عداها من أقسامه أعني ما كان القطع فيه جزءا من الحكم الواقعي مع اعتباره من باب الكشف عن متعلقه أو من باب الصّفة الخاصّة فالظّاهر جريان حكم التجري فيهما أيضا في الجملة وذلك فإنّه إذا أخذ القطع جزءا من موضوع الحكم الواقعي مع اعتبار كشفه عن متعلّقه فلا يخلو إمّا أن يكون موضوع الحكم الواقعي هو مطلق الانكشاف سواء صادف الواقع أم لا فحينئذ لا مسرح لحكم التجري هنا فإنّ موضوع الحكم الواقعي حينئذ هو مطلق الانكشاف وقد حصل وإمّا أن يكون الموضوع هو نفس الواقع مقيدا بصفة الانكشاف فإذا فرض كون النّجاسة والحرمة محمولتين في الواقع على الخمر الواقعي المنكشف لا ما كان خمرا في اعتقاد المعتقد فإذا اعتقد الخلّ خمرا يجري فيه حكم التجري كما هو واضح وممّا ذكرناه يظهر حال ما لو كان القطع فيه معتبرا من باب الصّفة الخاصّة لجريان القسمين فيه أيضا وإنّما لم يتعرّض المصنف لهذين القسمين من القطع في المقام إمّا لوضوح حالهما وإمّا لقلّة وجودهما في الأحكام بل لم يوجد في الأحكام الفرعيّة ما يكون القطع فيه معتبرا من باب الصّفة الخاصّة كما قدّمناه سابقا وثالثها أنّك قد عرفت ممّا ذكرنا أنّ موضوع البحث في كلام المصنف أنّما هو القطع الطّريقي الذي لم يصادف الواقع من حيث أنّه بواسطته هل يترتب على المعتقد حكم واقعي يناسبه أم لا فإذا اعتقد ماء الرّمّان خمرا فهل يحكم بواسطة هذا الاعتقاد بحرمة هذا المائع الخارجي أم يكون الحكم تابعا للواقع وكذا أو اعتقد وجوب دعاء رؤية الهلال مع عدم وجوبه في الواقع والحاصل أنّ محلّ الخلاف هو الحكم بحرمة هذا الفعل أو وجوبه وإمّا مجرّد كشف هذا الفعل عن خبث سريرة فاعله وفساد طينته فممّا لا إشكال بل لا خلاف فيه ظاهرا كما أنّه لا إشكال بل لا خلاف أيضا في أنّ الفعل مع قطع النّظر عن الاعتقاد وتجرّده عنه لا يحكم