فحينئذ إن أريد أن كل أربعة يحكم عليها العقل بالزّوجيّة ضرورة إذا تصوّر بعنوان مفهوم الأربعة الكلّي أي إذا أدرك هذه القضيّة الكلّيّة أي كلّ أربعة زوج يحكم حكما بديهيّا بها بحيث يسري إلى جميع أفراد الأربعة فصدقها مسلّم وإن أريد أن كل أربعة بأيّ وجه تصورت يحكم عليه العقل بالزّوجية بديهة فممنوع والسّند ظاهر إذ الدّراهم الأربعة الّتي هي في كيس زيد مثلا إذا لم نعلمها أنّها أربعة وتصوّر بعنوان أنّها في كيس زيد لم نحكم عليها بالبديهة أنّها زوج نعم نحكم عليها في ضمن الحكم بكلّ أربعة زوج بالزّوجيّة ضرورة لأنّ الحكم الضّروريّ الّذي في هذه القضيّة إمّا على الأفراد جميعا ومن جملتها هذا الفرد وإمّا على المفهوم بحيث يسري إلى جميع الأفراد على الرّأيين وعلى أيّ حال له تعلق بجميع الأفراد ومرادنا من الحكم هاهنا ليس إلاّ ذلك والسّرّ فيه أنّ ملاحظة الشّيء بالعنوانات المختلفة قد تكون لها أثر في تعلق علمنا بأحواله وصفاته مثلا إذا سمعنا أنّ ابن زيد عالم وجزمنا به ولكن لم نشاهده ولم نعرفه فقد يتفق أن نشاهده ولا نعرف أنّه ابن زيد وحينئذ فيجوز أن لا نعلم أنّ هذا الشّخص عالم بل نشكّ في أنّه عالم أو لا بل قد نظنّ أنّه ليس بعالم لحصول بعض الأمارات مثل أن لا يكون لباسه لباس العلماء فحينئذ يجوز إذا تصوّرنا أفراد الأربعة بعنوان مفهوم الأربعة نحكم عليه ضرورة بالزّوجيّة بناء على اللّزوم الّذي يجده العقل بين مفهوم الأربعة ومفهوم الزّوجيّة ولكن إذا تصوّر بعض أفرادها الواقعيّة وبعنوان آخر مثل أنه في كيس زيد كما ذكرنا فحينئذ لا يجب أن يحكم عليه بالزّوجيّة ضرورة إذ لا لزوم بين مفهوم الكائن في كيس زيد ومفهوم الزوجيّة إذا تقرّر هذا فنقول إذا صدق أنّ كلّ نجس يجب إزالته عن الثّوب والبدن بالإجماع فسواء قلنا إنّ المراد بالإجماع لازمة أي القطع أي كلّ نجس يجب إزالته قطعا أو قيل إنّ الإجماع بمعناه الاصطلاحي أي حكم كلّ الأمّة بأنّ كلّ نجس يجب إزالته فلمّا كان راجعا إلى العلم وكان جهة القضية فلو جعل جزءا للمحمول فإن أريد بالقضيّة حينئذ أنّ كلّ نجس حكم عليه الأمّة أو حصل القطع في ضمن قضيّة كل نجس يجب إزالته فصدقها مسلّم لكن نقول حينئذ أي شيء أردتم بالمقدّمة الأخرى أي إنّ المسكر لا يجب إزالته بالإجماع إن أردتم أنّ المسكر لم يحصل الإجماع عليه بالخصوص بوجوب الإزالة فمسلّم لكن لا ينتج حينئذ لعدم الوسط وإن أردتم أنّه لم يحصل الإجماع عليه بوجوب إزالته مطلقا أي سواء كان بخصوصه أو في ضمن كلّ نجس تجب إزالته فعلى هذا وإن اتحد الوسط لكن صدقها ممنوع والسّند ظاهر وإن أريد بالقضية أنّ كلّ نجس يجب حكم عليه الأمّة بخصوصه أو حصل القطع بأنّه يجب إزالته فصدقها ممنوع كما عرفت ثمّ قال وهذه الشّبهة نظير ما يقال إنّ العالم ليس بمتغيّر لأنّ العالم ليس بحادث بديهة أي بديهي الحدوث وهو ظاهر وكلّ متغير حادث بالضّرورة والجواب الجواب كما علمت مفصّلا ثمّ أورد على نفسه بأنّه إذا كان الإجماع على أنّ كل نجس تجب إزالته فكان كلّ نجس تجب إزالته بالضّرورة أيضا بالمعنى المقابل للإمكان والامتناع فتعود الشّبهة قطعا وأجاب عنه بأنّه حينئذ وإن صدق أنّ كلّ نجس ضروريّ وجوب إزالته تكن لا نسلّم أنّه يصدق أنّ المسكر ليس بضروري وجوب إزالته إذ لعلّه كان نجسا في الواقع وكان وجوب إزالته ضروريّا وهو ظاهر انتهى كلامه رفع في الخلد مكانه الثّالث أنّ هنا إشكالا أورده سيّدنا العلاّمة الأستاذ أدام الله بقاءه بقاء السّبع الشّداد في مجلس درسه على المصنف قدسسره وهو أنّه لا إشكال في قيام الأمارات مقام القطع فيما كان معتبرا من باب الطريقيّة المحضة كما أنّه لا إشكال أيضا في عدم قيامها مقامه فيما كان معتبرا من باب الصّفة الخاصّة كما قدّمناه سابقا وإنّما الإشكال في قيامها مقامه فيما أخذ جزءا من موضوع الحكم الواقعي مع اعتباره من باب الطّريقيّة إلى متعلّقه فإن في قيام الأمارات مثل اليد والبيّنة ونحوهما بعموم أدلتها مقام هذا العلم في إثبات الأحكام الواقعيّة المترتّبة على العلم إشكالا فإنّ معنى جعل الشّارع للبينة حجة هو تنزيل ما قامت عليه البيّنة منزلة الواقع في ترتيب الأحكام الواقعيّة المرتبة على الموضوع الواقعي عليه في مقام الظّاهر لا جعل البيّنة علما لعدم معقوليّته فإذا قال الشّارع إذا شهد عندك المسلمون فصدقهم فمعناه بدلالة الاقتضاء هو ترتيب آثار التّصديق الحقيقي الّذي هو فرع العلم بصدق المخبر لا لأمر بتصديقه حقيقة لعدم معقوليّته كما عرفت وهكذا الكلام في اليد وغيرها من الأمارات فإذا كان مقتضى جعل الأمارة تنزيل مدلولها منزلة نفس الواقع في ترتيب الأحكام المرتّبة على الواقع على ما قامت عليه الأمارة لا يصحّ قيام الأمارة مقام العلم الّذي أخذ جزءا من موضوع الحكم الواقعي إذ الفرض حينئذ ترتب الحكم الواقعي على الواقع المنكشف على سبيل القطع والجزم وما يثبته الأمارة هو الحكم الواقعي المرتب على نفس الموضوع الواقعي لا المقيد بالانكشاف القطعي كما هو موضوع الحكم في محلّ الفرض والحاصل أنّ الأمارة أنّما تثبت نفس الموضوع الواقعي في مقام الظّاهر لا الموضوع المقيّد المذكور حتى يرتب عليه الحكم المأخوذ في موضوعة الكشف القطعي فإن قلت نعم ولكن إذا فرض كون معنى تصديق البيّنة هو فرض ما قامت عليه نفس الواقع فلا محالة يكون لمدلول البيّنة حينئذ انكشاف قهري بواسطة قضية فرضه نفس الواقع فيترتّب عليه حينئذ أيضا ما كان يترتب على الواقع المنكشف قلت إنّ الانكشاف المذكور من الأمور القهريّة العقليّة اللاّزمة للقضيّة المذكورة والتنزيلات الشّرعيّة لا تثبت اللّوازم العقليّة حتى تثبت بواسطتها الأحكام الشّرعيّة المرتبة على هذه اللّوازم وإلاّ لكانت الأصول المثبتة حجّة لا محالة وممّا يوضح ما ذكرناه من عدم إثبات الأمارات المجعولة للأحكام المرتبة على الواقع بوصف الانكشاف أنّ الأحكام من قبيل الأعراض التي لا قوام لها بدون معروضاتها فهي لا تثبت بدون إثبات موضوعاتها وقد عرفت أنّ الأمارات لا تثبت صفة الانكشاف اللهمّ إلاّ أن يدعى أنّ هذه الصّفة لمدلولات الأمارات أيضا شرعيّة بأن يدعى أنّ الأدلّة الدّالّة على اعتبار الأمارات متكفّلة لإنشاء أمرين أحدهما تنزيل مدلولاتها منزلة نفس