بها بين العلماء رضوان الله عليهم ولذا استدلّ العلماء بها على وجوب الاجتهاد كفاية ووجوب التقليد على العوام فالأولى في توضيح الإيراد أن يقال إن الاستدلال بالآية مبني على دلالتها على وجوب الحذر ووجه الدّلالة أن كان لزوم لغوية الإنذار لولاه يرد عليه منع لزومها إذ يكفى في إخراجه من اللغوية وجوب الحذر على تقدير حصول شرط مثل حصول العلم أو الوثوق من الخبر المنذر به وإلاّ فمجرّد وجوب الإنذار لا يقتضي وجوب الحذر مطلقا نظير وجوب الشهادة على كلّ واحد من الشّاهدين مع عدم وجوب قبول شهادة الواحد منهما ما لم تنضم إليها شهادة الآخر بل ومع عدم وجوب قبول شهادتهما على الحاكم والعمل بمقتضاها قبل التماس المدعي الحكم ومن هنا يظهر ضعف استشهاد تمسّك الشّهيد الثّاني بآية حرمة كتمان النّساء ما خلق الله في أرحامهنّ لمنع استلزام حرمة الكتمان لقبول قولهنّ لاحتمال كونه مشروطا بشرط واعتماد أكثر الفقهاء في فتواهم بوجوب قبول قولهنّ في الحيض واليأس والعدّة أنّما هو على الأخبار الدّالة على كونهن مؤتمنات ومصدقات في أرحامهنّ لا على الآية ولذا لم يتمسّكوا بها والحاصل أن ما ذكر من اللغويّة أنّما يلزم لو لم يجب الحذر من رأس عند وجوب الإنذار لكن لا يلزم منه كون وجوب الإنذار علّة تامّة لوجوب الحذر مطلقا لما عرفت من كفاية كون وجوبه مقتضيا لوجوب الحذر ولو على تقدير حصول شرط في الإخراج من اللغويّة ومن هنا يظهر ضعف الاستدلال أيضا لو كان مناط استفادة وجوب الحذر هو استلزام وجوب الإنذار له من حيث استلزام وجوب المقدّمة وجوب ذيها لأنّ ذلك أنّما يتم على تقدير كون الإنذار في نظر الشّارع علّة تامّة للحذر يعني للعمل بالمنذر به وليس كذلك لاحتمال كونه من قبيل المقتضي وإن كان ظاهر كلمة لعلّ بعد تعذر إرادة معنى التّرجي منها في خصوص المقام على أحد الوجوه المقدّمة سابقا يرد عليه أنّ غايته أن تكون مطلوبيّة الحذر لله سبحانه على نحو مطلوبيّة الفعل المترجى للمترجي كما هو مقتضى تشبيه حالة الطّالب بحالة المترجي ولا ريب أنّ التّرجي أنّما هو فيما لا يمكن وصول المترجي إلى الفعل المترجى إلا بعد حصول مقدّمات غير مقدورة له فكما أنّ المترجي إنّما يترجى الفعل على تقدير حصول هذه المقدّمات كذلك يمكن أن يكون طلب الحذر من الله تعالى على تقدير حصول العلم أو الوثوق من الخبر المنذر به وحيث كان حصول العلم أو الوثوق مرتبا غالبا على الإنذار اكتفي عن ترتيبه عليه بترتيب الحذر المرتب على العلم أو الوثوق وما يؤيّد ما ذكرناه أنّ الشّارع لو كان مصرحا باعتبار حصول العلم من الخبر المنذر به لم يكن منافيا لظاهر الآية ويؤيّده أيضا أنّ النافرين المنذرين في عهد الأئمّة عليهمالسلام سيّما عند نزول الآية لم يكن إلا المعروفين بالصّدق والمشهورين بالصّلاح إذ من الواضح أنّ الخارج من بلد لأخذ الأحكام وتعلم الحلال والحرام الّذي يتوقع منه إنذار قومه بعد رجوعه إليهم لا يكون غالبا إلاّ المعروف بالصّدق والصّلاح والزّهد والتّقوى سيّما المدركين لخدمة الأئمّة عليهمالسلام والآخذين للأحكام منهم ولا ريب في إفادة خبر مثل هذا الشّخص غالبا للعلم أو الوثوق وحينئذ يمكن أن يكون عدم اشتراط حصول أحدهما في حصول الحذر لأجل حصوله غالبا من إنذار المنذرين مضافا إلى شمول الآية للموارد الّتي لا يطلب فيها إلا العلم بتواتر أو وجود قرائن كالنّفر لمعرفة الإمام عليهالسلام بعد مضي إمام سابق عليهالسلام كما يظهر من جملة من الأخبار الّتي أوردها المصنف رحمهالله وهذا غاية توضيح المقام وهو بعد لا يخلو من نظر لأنّ وجوب الحذر لو كان مشروطا بحصول العلم بإنذار المنذر كان وجوبه مقيدا به وكذلك إطلاق الطّائفة المنذرة والأصل عدم التقييد فإن قلت إنّ مخالفة التقييد للأصل أنّما هو فيما كان المطلق وارد البيان الإطلاق والمقام ليس كذلك لو ورد المطلق فيه مورد الغالب كما سيصرح به في آخر كلامه ومن هنا يحصل الفرق بينه وبين آية حرمة كتمان النّساء لما في أرحامهنّ إذ الغالب عدم إفادة قولهن للعلم بخلاف ما نحن فيه ولذا صحّح في ذيل ما أورده على الآية الآتية الاستدلال باستلزام حرمة الكتمان لوجوب قبول قولهن وإلا لغا التّحريم ومنعه في المقام قلت نمنع الغلبة في مورد الآية لأن نفر عدد التّواتر من كلّ قوم أو احتفاف الإنذار بقرائن القطع نادر جدّا ويتضح ذلك لو قيس ذلك بنفر المقلّدين لتحصيل الأحكام الشرعية وأخذها من المجتهد إذا كان في بلد آخر سيّما إذا كان بعيد المسافة ومع تسليم نفر عدد التواتر فلا ريب أنّه قلما يتفق أخبار جميعهم عن قضيّة واحدة لندرة تواطئهم على السّؤال عن حكم خاصّ ومع تسليم حصول غلبة نفر عدد التّواتر من كل فرقة في الجملة نمنع حصول الغلبة بالنسبة إلى آحاد المتخلّفين إذ لا بد في المقام من دعوى غلبة نفر عدد التواتر وإنذار هذا العدد لأغلب المتخلّفين وشيء من الغلبتين غير معلوم التّحقق في المقام فإن قلت إن لم يكن وجوب الحذر مشروطا بحصول العلم بإنذار المنذرين كيف استشهد الإمام عليهالسلام الآية الشّريفة في مسألة معرفة الإمام عليهالسلام قلت مع تسليم تواتر هذه الأخبار كي تصلح لتقييد الآية إنّ الآية وإن كانت مطلقة إلا أن استشهاد الإمام عليهالسلام في مسألة الإمامة لعلّه بضميمة ما ذكر في الأذهان من مطلوبية العلم فيها فاستشهادها فيها أنّما هو لبيان وجوب النّفر لمعرفة الإمام عليهالسلام وأخبار النّافرين للمتخلفين بذلك ووجوب عملهم به في الجملة بمعنى وجوبه على تقدير حصول العلم لهم بأخبارهم لما ركز في أذهانهم من اعتبار العلم في مسألة الإمامة وهو لا ينافي إطلاق الآية بالنّسبة إلى غيرها لأن تقييدها بالنّسبة إلى مسألة الإمامة أو غيرها لا ينافي إطلاقها بالنّسبة إلى غيرها ولذا استدل أصحابنا بها على وجوب تحصيل الاجتهاد وكونه كفائيا مع أنّ كلمة لعل بعد تعذر معناه الحقيقي ظاهرة في الطّلب الإلزامي المولوي فلو كان وجوب الحذر مشروطا بحصول العلم كان الأمر به إرشاديّا وهو خلاف الظّاهر(قوله) إنّ التّفقه الواجب