ليس إلاّ معرفة الأمور الواقعيّة إلخ لأنّ الدّين عبارة عن أمور واقعية وهذا الإيراد في غاية من الضّعف إذ بعد كون المراد بالحذر وجوب العمل والقبول وبالإنذار إبلاغ الحكم مطلقا كما عليه مبنى هذا الإيراد لا إبلاغه على وجه التخفيف كما عليه مبنى الإيراد الثالث فلا ريب في ظهور الآية في إنشاء حكم ظاهري لوجوب التعبد بخبر المنذرين لأنها حينئذ نظير قولك لزيد إذا أخبرك عمرو بأمري يجب عليك امتثاله وأمّا تنظيره على قول القائل أخبر فلانا بأوامري لعلّه يمتثلها فهو قياس مع الفارق لأنّ القياس أن يخاطب نفس فلان كما مثّلنا به لعدم اختصاص الخطاب في الآية بالمنذرين وأمّا قياسه على جميع ما ورد من بيان الحق للنّاس ففيه أنّ الأمر ببيان الحق للنّاس غير أمر النّاس بالعمل بما يخبر به المخبر وما نحن فيه من قبيل الثّاني دون الأوّل لسكوته عن كيفيّة العمل رأسا(قوله) قوله ومن المعلوم أنّ التخويف لا يجب إلخ وجوب التخويف على المجتهد الواعظ أو المفتي والتخوّف على المتّعظ والمستفتي لا يخلو من نظر بل منع نعم ربّما يجب في مقام الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر لكن لا دخل لذلك في الاجتهاد والتقليد والوعظ والاتعاظ لأنّ ذلك كلّه عناوين مختلفة وإن كان يجتمع بعضها مع بعض بحسب المورد وبالجملة فحمل الآية على مسألة الوعظ والتقليد لا يخلو من نظر أو منع فتدبّر (تنبيه) اعلم أنّه قد ظهر ممّا ذكره المصنف رحمهالله وما علقناه على كلامه أنّ الآية الشّريفة تحتمل وجوها كل منها لا يخلو من إشكال أحدها أن يكون المراد وجوب النّفر لتعلّم الأحكام الشرعيّة لأجل إنذار الجهاد بإرشادهم إليها وتعليمها إيّاهم وحاصله وجوب التفقه والاجتهاد كفاية والإفتاء للعامي بما تعلموا منها وثانيها وجوب تعلّمها وإنذار العباد بالوعظ وبيان ما وعد الله عباده في الإطاعة والعصيان من الثواب والعقاب وثالثها وجوب تعلّمها لأجل أمر العصاة بالمعروف ونهيهم عن المنكر ورابعها وجوب النّفر إلى الجهاد وخامسها وجوب النّفر لمعرفة الإمام وسادسها وجوب النّفر لأجل تعلّم الأخبار ونقلها إلى المتخلفين والتّقريب في الكلّ يظهر ممّا ذكره المصنف رحمهالله وما قدمناه في الحواشي السّابقة ويرد على الأوّل أوّلا أن الفقه لغة وعرفا بمعنى الفهم والعلم لا بالمعنى المصطلح عليه المبنى على استعمال ظنون اجتهادية لتأخّر حدوثه عن زمان صدور الآية فلا يمكن حمله عليه وبعبارة أخرى أنّ التّفقه في الدّين أعني معرفة الأحكام الشّرعيّة أنّما يصدق على الاجتهاد المصطلح عليه على تقدير اعتبار ظنون المجتهد شرعا وكونها كالعلم بدليل آخر فلا يمكن إثباته بالآية وثانيا أن الإمام عليهالسلام قد استشهد الآية لوجوب معرفة الإمام عليهالسلام بعد مضي إمام سابق عليه كما تضمّنته جملة من الأخبار الّتي نقلها المصنف رحمهالله فوجوب معرفة الإمام مراد منها لا محالة فلو شملت مع ذلك وجوب تحصيل الاجتهاد أيضا لزم منه استعمال اللّفظ في معنيين لأن معرفة الإمام واجب عقلا فيكون الأمر بها إرشاديّا نظير الأمر بإطاعة الله تعالى ورسوله والأمر بتحصيل الاجتهاد وتقليد العامي للمجتهد مولويّ وهما معنيان متغايران فلا يجوز إرادتهما من لفظ واحد في استعمال واحد فتأمل وثالثا أنّ كلمة لو لا إذا دخلت على الماضي فهي للتنديم والتوبيخ وإذا دخلت على المستقبل فهي للتّخصيص والتّوبيخ على الماضي أنّما يصحّ مع سبق علم المخاطب بوجوب هذا الفعل عليه لقبح توبيخ الجاهل رأسا فلو كان المراد بالتفقه هو الاجتهاد لزم معرفة المخاطب بوجوبه بغير الآية والفرض في المقام إثبات وجوبه لها مع قطع النّظر عن دلالة دليل آخر عليه ورابعا أنّ الإنذار هو التبليغ مع التخويف والحذر هو التخوّف وقد أشرنا في الحواشي السّابقة إلى عدم وجوب التّخويف والتخوّف في بيان المجتهد للفتاوى وأخذ المقلّد لها منه ويرد على الثّاني والثالث أوّلا أنهما مخالفا الأخبار التي نقلها المصنف فإنها ما بين دال على كون المراد وجوب النفر لتعلم الأخبار ومسائل الحلال والحرام وتعليمها للمتخلفين ودال على كون المراد وجوب النفر لمعرفة الإمام بعد الإمام وثانيا أن مطلوبية الوعظ والأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر أنّما هي لملاحظة حال الغير لا حال الواعظ والآمر والنّاهي ولا ريب أنّ مطلوبية النفر والتفقه في الدّين ليست لمجرّد مطلوبيّة الإنذار والحذر إذ مطلوبيّة عمل المتفقه بما تعلم من مسائل الحلال والحرام ملحوظة فيه لا محالة إذ المنساق من الآية هو مطلوبيّة التفقه لأجل عمل المتفقه وغيره بما تفقه فيه وعلى الرّابع أولا أن حملها على بيان وجوب النفر للجهاد خاصة تقييد في إطلاقها والأصل عدمه وثانيا أنّه مخالف للأخبار الّتي نقلها المصنف رحمهالله لأجل دلالتها على كون وجوب النّفر لأجل تعلّم مسائل الحلال والحرام أو معرفة الإمام عليهالسلام وعلى الخامس أنّه مخالف لرواية الفضل وعلي بن حمزة وغيرهما مضافا إلى كونه تقييدا في إطلاق الآية والأصل عدمه وعلى السّادس ما أورده المصنف رحمهالله من وجوه الإشكال وإن كان بعضها ضعيفا نعم يمكن أن يقال إنّ العمدة ممّا أورده المصنف رحمهالله عليه هو الإيراد الثّالث لما تقدم من ضعف الأولين منها ويمكن دفعه أيضا بأنّ المستفاد من الأخبار التي نقلها هو عدم اعتبار التّخويف في الإنذار وعدم اعتبار التخوّف في الحذر بمعنى كون المراد بهما في الآية تعلّم الأحكام وتعليمها للمتخلفين من دون اعتبار تخويف وتخوف في ذلك وذلك لأنّ هذه الأخبار على أصناف منها ما دل على كون المراد وجوب النّفر لتعلم أخبار الأئمة عليهمالسلام ونقلها إلى المتخلفين كرواية الفضل ومنها ما دل على كون المراد وجوب النّفر لتعلم الأحكام الشّرعية وتعليمها للغير كرواية أبي حمزة وعبد المؤمن ومنها ما دلّ على كون المراد وجوب النفر لمعرفة الإمام ولا يجب التخويف والتخوّف في شيء ممّا ذكرناه نعم قد يجب أن في الأخيرين من باب الأمر بالمعروف للعصاة ولا يمكن حمل الآية على ذلك خاصّة لمنافاته للأخبار المذكورة فلو حمل الإنذار والحذر في الآية على الأعمّ ممّا يعتبر فيه التخويف والتخوّف وممّا لا يعتبران فيه لزم استعمال اللّفظ في معنيين إذ التبليغ مع التخويف كما هو ظاهر لفظ الإنذار غير التبليغ المطلق مع أنّ حمله على المعنى الأعم كاف في المقام اللهمّ إلاّ أن يقال إن الأخبار المذكورة من قبيل الآحاد الّتي لا تصلح لصرف الآية عن ظاهرها في مثل المقام وهو مشكل مع أنا قد أسلفنا سابقا عدم اعتبار التخويف والتخوّف إلا في باب الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر وقد عرفت عدم صحّة حمل الآية على