قد جعل حكم كلّ واحد من الفرد الواقعي والجعلي بإنشاء واحد فإذا قال الشيخ حدثني المفيد قال حدثني الصّدوق فمقتضى قول الشّارع صدق العادل حينئذ أمران أحدهما إنشاء وجوب تصديق خبر الشيخ وتنزيل خبره بمنزلة المعلوم بأن يجب الالتزام بأنّ المفيد قد أخبره كما لو سمعنا أنّه أخبره بقوله حدثني الصّدوق بكذا والآخر إنشاء وجوب تصديق الخبر الثّابت بإخبار الشيخ وربّما يضعف الإشكال أيضا بأن الممتنع هو توقف فرديّة بعض أفراد العالم على ثبوت الحكم لبعض آخر كما لو قال كل خبري صادق لتوقف كون سائر أخباره المتقدم على هذا الكلام أو المتأخر عنه أفرادا للخبر المحكوم عليه بالصّدق في هذا الكلام على شموله لنفسه وأمّا لو توقف الاستكشاف عن وجود فرد على ثبوت الحكم لفرد آخر فلا امتناع فيه أصلا وما نحن فيه من هذا القبيل لأنّ الاستكشاف عن خبر المفيد موقوف على شمول قول الشّارع صدق العادل لخبر الشّيخ لأنه بشموله له يكشف عن وجود خبر المفيد وهذا محصّل ما أجاب به المصنف رحمهالله عن الإشكال أوّلا ثم ضرب عليه مع بعض العبارات الأخر في بيان الإشكال وغيره في الدّورة الأخيرة من مباحثته ووجه الضرب عليه أنّه أنّما يتمّ لو كان خبر المفيد متحقّقا في الواقع ولم نعلّمه وكان تعلق الحكم بخبر الشيخ كاشفا عنه حقيقة وليس كذلك إذ لم يتحقّق لنا ذلك لاحتمال خطاء الشيخ في إخباره أو كذبه العياذ بالله فالمترتّب على وجوب تصديق خبر الشيخ هو وجود خبر المفيد في مرحلة الظاهر لا الاستكشاف الحقيقي عن خبره فلو شمل الحكم خبر المفيد أيضا لزم تقدّم الحكم على موضوعه كما هو مناط الإشكال (قوله) الثّابت بالإجماع إلخ يرد عليه أنه إن أراد أنّ الإجماع قد وقع على أنّه لو أقرّ بالإقرار الأوّل كان قوله عليهالسلام إقرار العقلاء على أنفسهم جائز شاملا للإقرار الأوّل ففيه أنّه لا معنى لدعوى الإجماع على دلالة الألفاظ والظّهورات العرفيّة الجواز مخالفة هذا الإجماع بلا إشكال لمن ثبت عنده خلافه وإن أراد أن الإجماع وقع إجمالا على ثبوت الإقرار الأوّل بالثاني بمعنى وجوب أجزاء حكم الإقرار على الإقرار الأوّل فيما أقرّ به ثانيا ففيه أنّه أعمّ من المدّعى إذ يحتمل أن يكون ثبوت حكم الإقرار للإقرار الأوّل حينئذ بإنشاء آخر لا بالإنشاء الثابت بقوله عليهالسلام إقرار العقلاء على أنفسهم جائز وهو خلاف الفرض فيما نحن فيه وإن أراد أن الإجماع وقع على أنّ حكم الإقرار الأول مراد بقوله عليهالسلام إقرار العقلاء على أنفسهم جائز كما هو المفيد فيما نحن فيه فأنّى له بإثبات هذا الإجماع (قوله) إذا علم المناط إلخ لا يذهب عليك أنّ المناط وإلقاء الخصوصيات تارة يحصل بالإجماع وأخرى بالعقل القاطع وثالثة بالظهور اللفظي فإن كان المراد هنا الأوّل فمع كونه خلاف ظاهر العبارة يرد عليه أنّه لا يدفع الإشكال إذ المقصود عدم تماميّة الاستدلال بمفهوم الآية على حجيّة الأخبار الّتي ثبتت بواسطة أو وسائط مع قطع النظر عن الخارج وإلاّ فلا حاجة إلى دعوى المناط إذ لم يفصل أحد بينما كان بلا واسطة أو معها فإذا ثبت الأوّل بمفهوم الآية ثبت الثاني بعدم القول بالفصل من دون حاجة إلى إحراز المناط وإن كان الثّاني يرد عليه منع كون العقل قاطعا بعدم مدخلية الواسطة مع قطع النظر عن الخارج وإن كان الثالث يرد عليه أنّ دعوى ظهور المناط أنما تتم على تقدير الاستدلال بمفهوم الوصف إذ ظاهر الآية حينئذ أن علّة قبول خبر العدل الواحد بلا واسطة هو كون المخبر عدلا ولا ريب أنّ هذا المناط موجود في الأخبار مع الواسطة أيضا بخلاف ما لو كان الاستدلال بمفهوم الشّرط كما حكي عن الأكثر إذ علة القبول حينئذ كون الخبر بلا واسطة مع عدالة المخبر لا مجرّد عدالته إذ ظاهر الجملة الشرطيّة كون تمام الشّرط علّة للجزاء فمع تسليم انصراف النبإ إلى الخبر بلا واسطة تكون العلّة ما ذكرناه فلا يتم دفع الإشكال على طريقة الأكثر(قوله) إنّ هذا المحمول أي وجوب التّصديق الذي هو محمول على خبر العادل في مفهوم الآية(قوله) وفيه أنّ وجوب التفحّص إلخ توضيحه أنّ حاصل ما ذكره المورد أنّ الآية لو دلّت بمفهومها على حجيّة الخبر العدل على وجوب قبوله من دون فحص عن معارضة لأنّه معنى حجيّته ووجوب قبوله من دون تبيّن وهو خلاف الإجماع في الأحكام الشرعيّة فلا بد من تنزيلها على الموضوعات وحاصل ما اعترض به المصنف رحمهالله أن وجوب التفحّص عن المعارض أمر وجوب التّبين عن الخبر من حيث الصّدق والكذب أمر آخر والآية بمفهومها ينفي الثّاني دون الأوّل لأن وجوب الفحص يؤكد الحجيّة بالتقريب الّذي ذكره المصنف رحمهالله ولا ينافيها كما همّه المورد وتوضيح المقام أنّ التّبيّن والفحص عن الخبر تارة من حيث دلالته وأخرى من حيث سنده وعلى التقديرين إمّا أن يكون ذلك لأجل إثبات المقتضي وإمّا لأجل دفع احتمال المانع والأوّل كالبحث عن ظهوره بمعنى كونه ظاهرا في هذا المعنى أو ذلك المعنى والثّاني كالفحص عن قرائنه الصّارفة والثّالث كالتّبين عن صدق المخبر وكذبه والرّابع كالبحث عن معارضه ولا دلالة للآية بمفهومها على نفي أحد الأوّلين عن خبر العدل لكون الفحص عنهما مشتركا بينه وبين خبر الفاسق بالضّرورة فلا وجه للتفصيل بينهما في ذلك وكذلك الرّابع لأن الظاهر الآية هو وجوب التّبين عن خبر الفاسق لعلّة التحرّز عن الوقوع في خلاف الواقع ولا دخل لذلك في وجوب الفحص عن المعارض لأنّه فرع اعتبار الخبر بإلغاء احتمال الخلاف فيه في نظر الشّارع إذ لا معنى لوجوب الفحص عن معارض ما لم تثبت حجيته بعد لعدم إمكان تحقّق المعارضة بين الحجّة وغيرها فتعيّن الثّالث وهو وجوب التبيّن عن المخبر من حيث صدقه وكذبه ثمّ إنّ ثمرة الفرق بين وجوب الفحص عن المعارض ووجوب التبيّن عن الصّدق والكذب تظهر ممّا ذكره المصنف ره (قوله) ومنها أنّ مفهوم الآية إلخ لا يخفى أنّ هذا الإيراد قد يقرّر تارة بالنّسبة إلى مطلق الموضوعات وأخرى بالنسبة إلى خصوص موردها فعلى الأوّل بمفهومها تشمل الموضوعات أيضا وخبر العدل فيها غالبا من باب الشهادة والشّهادة يعتبر فيها العدد إجماعا وحينئذ إن بني على إخراج تلك الموارد لزم تخصيص الأكثر وهو إمّا غلط أو مرجوح لا يصار إليه بلا قرينة وحينئذ يدور الأمر بين رفع اليد عن المفهوم