فيما يترتب على العمل به أمر مكروه من إهلاك نفس ونحوه على تقدير ظهور كذب المخبر كما هو ظاهر الإصابة بجهالة فيختص بالموضوعات الّتي من شأنها ذلك مثل الأخبار عن القتل والزّنا والسّرقة ونحوها ومنها مورد الآية حيث أخبر الوليد بارتداد بني المصطلق فلا يعم الأحكام الّتي هي محلّ الكلام في المقام ألا ترى أنّه لو أخبر عدل بأنّك إذا شككت فابن علي الأكثر لا يترتّب على العمل به ندامة على تقدير ظهور كذب المخبر وأجيب عنه أوّلا بالنّقض بوجود مثل ذلك في الأحكام أيضا كما لو أخبر عن وجوب قتل الزّاني أو رجمه بشهادة عدلين وعمل بمقتضاه ثم ظهر كذبه وإنّه تعتبر شهادة أربعة أو أخبر عن حدّ شارب الخمر وهكذا ويتم المطلوب في الباقي بعدم القول بالفصل أو يقال إذا ثبت ذلك فيما يستعقب النّدامة ففيما لا يستعقبها بطريق أولى وثانيا بمنع كون قوله (أَنْ تُصِيبُوا) علّة للحكم لاحتمال كونه حكمة له فلا يجب اطرادها في جميع الموارد لكنّه ضعيف كما تقدّمت إليه الإشارة وثالثا مع تسليم كونه علّة بأنّه يتم المطلوب بملاحظة العلّة لدوران الحكم مدارها وجودا وعدما فحيثما تنتف العلّة إمّا لعدم قابليّة المورد لها كما في أكثر الأحكام على ما عرفت وإمّا لكون عدالة المخبر عاصمة عن تعمّد الكذب الّذي تترتّب عليه الإصابة والنّدم ينتف الحكم أعني وجوب التبيّن لا محالة وفيه نظر من وجهين أحدهما أنّه خروج من التّمسك بمفهوم التّعليق بالشرط إلى التمسّك بمفهوم العلّة وثانيهما أنّ غاية ما في الباب أن تكون الآية من قبيل منصوص العلّة مثل حرمت الخمر لإسكارها وغاية ما يستفاد من منصوص العلّة وجود الحكم حيث وجدت العلّة ولو في غير موضوع الحكم كما لوجد الإسكار في النبيذ والفقاع وكذلك انتفاؤه عن أفراد موضوعه إذا زالت العلّة عنها كما لو زال الإسكار عن بعض أفراد الخمر وأمّا انتفاع الحكم عن غير أفراد موضوعه إذا لم توجد العلّة فيه كالماء فلا يستند انتفاء الحكم عنه إلى انتفاء العلّة المذكورة فيه ولذا لا يتوهّم أحد التّنافي بين قوله حرمت الخمر لإسكارها وبين قوله حرمت أكل التّراب مثلا وبالجملة أنّ المستفاد من العلّة المنصوصة كونها علّة تامّة للحكم بالنّسبة إلى أفراد موضوعه بحيث يلزم من وجودها الوجود ومن عدمها العدم وعلّة لوجود الحكم في غير أفراد موضوعه مع وجودها فيه وأمّا كون انتفائها علّة لانتفاء الحكم عن غير موردها فلا يستفاد منها أصلا ومنها أنّ الآية لا تشمل الأخبار المتعارضة سيّما مع ملاحظة عدم معهوديتها في زمان نزولها ولا ريب أن الأخبار الموجودة بأيدينا اليوم أغلبها متعارضة فلم يبق إلاّ النّادر منها وهو غير مجد في الخروج من ورطة الحيرة في امتثال الأحكام والجواب عنه أولا أنّ المقصود في المقام كما صرّح به المصنف رحمهالله في عنوان البحث إثبات حجيّة أخبار الآحاد على سبيل الإيجاب الجزئي في قبال السّيّد المدعي لعدم حجيّتها على سبيل السّلب الكلّي مع أنّ الآية تدلّ باعتراف المعترض على حجيّة الأخبار المتداولة حين نزولها والسّيّد يدعي كون خطر العمل بأخبار الآحاد في الشّرع كالقياس نعم لو كان المراد في المقام إثبات حجيّة صنف من الأخبار وأن بالفقه في قبال القائلين بدليل الانسداد اتجه ما ذكر وليس كذلك وثانيا أنّه إن أراد بعدم الشمول انصرافها إلى غير الأخبار المتعارضة فهو ممنوع وإن أراد أنّها شاملة للأخبار غير المتعارضة بلا إشكال فتفيد وجوب العمل بها تعيينا وإن شملت مع ذلك الأخبار المتعارضة فلا بدّ أن يراد بها حينئذ وجوب العمل بكلّ من المتعارضين تخيير العدم إمكان العمل بكلّ منهما تعيينا فيلزم استعمال اللّفظ في معنيين وهو غير جائز كما حكي ذلك عن السّيد السّند صاحب المفاتيح ففيه أنّ الآية تدلّ على حجيّة خبر العدل مطلقا تعيينا غاية الأمر أنّ التخيير في الأخبار المتعارضة إمّا لعدم إمكان العمل بكلّ منها تعيينا فيثبت التخيير فيها عقلا لا أنّ التخيير مراد من الآية وإمّا من باب التّعبّد بأخبار التخيير فالآية تدلّ على اعتبار كل من المتعارضين في نفسه وعلى وجوب العمل بكلّ منهما تعيينا مع قطع النّظر عن وقوع التعارض بينهما إلا أنّ ثبوت التخيير بينهما عقلا أو شرعا أوجب التقييد في إطلاق الآية من حيث الدّلالة على كيفية العمل بهما لا أنّها لا تشملهما أصلا ومنها أنّ المفهوم على تقدير ثبوته يشمل الموضوعات والأحكام بل مورد الآية من قبيل الأولى ولا ريب أنّ خبر العدل في الموضوعات أنّما يعتبر غالبا من باب الشهادة ويعتبر فيها العدد إجماعا وحينئذ إن بني على إخراج موارد الشهادة من عموم المفهوم يلزم تخصيص الأكثر وهو إمّا غلط أو مرجوح بحيث لا يصار إليه إلاّ بقرينة وحينئذ يدور الأمر بين إلغاء المفهوم وتقييده بقبول خبر العدل ولو بانضمامه إلى عدل آخر والأوّل مستلزم لعدم دلالة الآية على حجيّة خبر العدل رأسا والثّاني غير مفيد لعدم دلالتها على موارد الانضمام والجواب أولا بمنع كونه من قبيل تخصيص الأكثر المستهجن عرفا بل هو من باب تخصيص الكثير ولا ضير فيه وثانيا أنا نلتزم بتقييد المفهوم بمعنى أنا نقول إنّ أخبار العادل علّة تامّة لقبول خبره قضيّة لإطلاقها إلاّ فيما ثبت العدد والانضمام ومنها أنّ مقتضى المفهوم هو عدم وجوب التّبيّن عن خبر العدل وغايته التّرخيص في العمل بخبره من دون تبيّن ومقتضاه الجواز وأين هو من الوجوب الّذي هو مراد المستدلّ وأجيب عنه بأنّه إذا ثبت الجواز ثبت الوجوب لعدم القول بالفصل والأولى أن يقال إن ما ذكر مبني على كون وجوب التبيّن نفسيّا كي يتصوّر في مقابلة الجواز وليس كذلك لما تقدّم في كلام المصنف رحمهالله من كون وجوبه شرطيّا فتدلّ الآية بمفهومها على عدم اشتراط العمل بخبر العادل به فيكون حجّة من دون تبيّن عنه ومنها أنّ الخطاب بحسب وضعه مختصّ للمشافهين فلا يجوز تعدية ما يستفاد منها إلى الغائبين إلا بعد تحصيل ما فهموه من ظاهرها وهو غير متيسر بالنّسبة إلينا لاحتمال اكتناف الخطاب حين صدورها بما يصرفها عن ظاهرها وأصالة عدم القرينة أنّما تجدي فيما كان الشّكّ في وجود القرينة لا فيما يشك في كونه قرينة بعد العلم بوجوده إذ مناط