أن دلالة الشّرط على العموم وإرادته منه توهن أمر الدّلالة على المفهوم وذلك أنّ الدّليل على إرادة المفهوم أنّما هو لزوم إلغاء الشّرطيّة أولا ومع إرادة العموم يكون الغرض إفادته فلا تلغو فإن شئت فانظر إلى نحو متى تأته تجده مشغولا ومتى تأته تعشوا إلى ضوء ناره وأينما جلس أحاط به النّاس ومتى تذهب أذهب معك فإنّك تجد أن المفهوم في مثله غير ملحوظ كما لا يلاحظ في مثل إذا أخبرك زيد بخبر فلا تصدقه والتّبادر أعدل شاهد والسّر أنّه أنّما يصار إلى المفهوم إذا توقف تمام الفائدة على إرادته كما في أعطه إن كان عادلا والآية الشّريفة ليس من هذا القبيل إذ الغرض التبيّن عند كلّ نبإ فاسق نعم لو قيل تبيّنوا عند مجيء النبإ إن كان المنبئ فاسقا لدل وإلا لغى الاشتراط ثمّ لا يحتاج بعد ذلك إلى عموم الاشتراط انتهى وقد عزى إليه في الفقه أيضا إنكار المفهوم في قوله صلىاللهعليهوآلهوسلم إن كان الماء قدر كرّ لا ينجسه شيء لما ذكره هنا والجواب أن أداة الشّرط منها ما يفيد العموم مثل متى ومهما ونحوهما ومنها ما يقيد مجرّد التّعليق على وجه الإهمال مثل أن وإذا وما ذكره من عدم ملاحظة المفهوم أنّما يتمّ في القسم الأوّل كما تشهد به أكثر الأمثلة الّتي ذكرها والآية من قبيل الثّاني ومال الجواب إلى منع الصغرى أعني كون الآية منساقة لبيان العموم ومنها أن المفهوم رفع للمنطوق فيكون نقيضا منطقيا له وإذا كان المنطوق وجوب التبيّن عن خبر الفاسق على الوجه الكلّي فيكفي في رفعه السّلب الجزئي فلا يدلّ المفهوم إلا على عدم وجوب التبيّن عن خبر العادل في الجملة فيكفي في صدق المفهوم حجيّة قول العدل في الجملة مثل إخباره عن استبراء الأمة المبيعة فلا تثبت به حجيّة خبره مطلقا والجواب مع منع كون المفهوم نقيضا منطقيا للمنطوق لما تقرّر في محلّه من اشتراط اتحادهما فيما عدا الإيجاب والسّلب وعلى ما ذكر يلزم اختلافهما في الكم أيضا أنّ ما ذكر أنّما يتم لو اشتمل المقدّم أو التالي أو كلاهما على أداة العموم إذ لا بد من اختلافهما في الكيف فإذا كان المنطوق موجبة تكفي في رفعها السّالبة الجزئية وإذا كان سالبة تكفي في رفعها الموجبة الجزئيّة وما نحن فيه ليس كذلك لأنّ التّعليق فيه بلفظ أن وهو لا يفيد التّعليق إلاّ على وجه الإهمال كما أشرنا إليه والمفهوم في مثله لا بدّ أن يكون برفع الحكم عن غير محلّ الشّرط على وجه الإهمال وهو عدم وجوب التبيّن عن خبر العادل غاية الأمر أن يفيد كلّ من العادل والفاسق في طرفي المنطوق والمفهوم العموم بدليل الحكمة ولا ربط له بما نحن فيه ومنها أنّ مفهوم الشّرط أنما يعتبر حيث لم يرد الشرط مورد الغالب مثل قوله تعالى (إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللهِ) وقوله سبحانه (وَرَبائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَ) ولا ريب في كون أكثر المخبرين فساقا سيّما عند نزول الآية لكون أكثر النّاس يومئذ منافقين أو فسّاقا فتعليق وجوب التبيّن على كون المخبر فاسقا لا يفيد عدم وجوب التبيّن إذا كان الجائي به عادلا قضية لورود الشّرط مورد الغالب والجواب أنّ الفارق بينما نحن فيه والآيتين هو العرف ولا ريب أنّ أهل العرف يفهمون المفهوم منه دونهما ولعلّ السّر فيه أنّ ورود الشّرط مورد الغالب أنّما يصدم في انفهمام المفهوم من الشرط إذا كان المخاطبون ملتفتين إلى هذه الغلبة ولا ريب في عدم التفاتهم إليها في مثل قولنا إن جاء فاسق بخبر فتفحصّ عن صدقه وكذبه وهو واضح ومنها أنّ الاستدلال بالآية أنّما يتم إنّ أفادت العلم وإلاّ فلا يمكن إلزام الأخباريين المنكرين لظواهر الكتاب بها ولا أقل من العلم باعتبارها ليمكن الإلزام بها لمن قال باعتبار الظواهر من باب الظنّ المطلق دون الخاص كالمحقق القمي لا يقال إنّ الآية مفيدة للظن وظنّ المجتهد حجّة إجماعا فتثبت حجّيتها بالخصوص لأنا نقول إنّ الإجماع على حجيّة ظنّ المجتهد أنّما هو بعد الفراغ عن قيام دليل علمي على حجيّة ظواهر الكتاب وكذا السّنّة مطلقا من باب الظنّ الخاصّ أو المطلق والفرض أنّ الخصم ينكر حجّيتها بالخصوص مع أنّ الاستدلال بها أنّما هو في مقابل السّيّد وهو ينكر حجيّة المفاهيم رأسا حتّى مفهوم الغاية الّذي هو أقواها ولعل غيره أيضا من المنكرين لاعتبار أخبار الآحاد ينكرونها والجواب عنه بعد ما قدمناه سابقا من الأدلّة القاطعة على حجيّة ظواهر الكتاب وكذا مفهوم الشّرط في محلّه وبها يمكن إلزام الخصم أنّ المقصود في المقام ليس إلزام الخصم بل بيان الواقع فالآية حينئذ تنهض لإثبات المطلوب عند كلّ من يرى حجيّة ظواهر الكتاب ومفهوم الشّرط مضافا إلى أنّ من يدعي حجيّة المفاهيم يدعي ظهور القضيّة المقيّدة بالشّرط أو الغاية مثلا فيها فيشملها الإجماع المدعى على حجيّة الظواهر فتدبّر ومنها أنّ الخطاب في الآية للنّبي صلىاللهعليهوآلهوسلم والأئمّة عليهمالسلام فلا تكون حجّة في موردها لعدم جواز عملهم بخبر الواحد في الأحكام فلا تثبت حجيّة أخبار الآحاد في حقّنا لأنّه فرع ثبوته لهم ليتعدى إلينا بدليل الاشتراك في التكليف فلتحمل الآية على بيان حجيّة خبر العدل في الموضوعات والجواب أولا منع اختصاص الخطاب بهم لعمومه لجميع من في مجلس الخطاب غاية الأمر أنّه قد خرج منه النّبي صلىاللهعليهوآله والأئمة عليهمالسلام فإذا ثبت الحكم لغيرهم ثبت لنا أيضا بدليل الاشتراك في التّكليف وثانيا مع التّسليم أنّه إذا ثبت الحكم في الموضوعات في حقّهم ثبت في حقّنا كذلك بدليل الاشتراك في التكليف وإذا ثبت فيها لنا ثبت لنا في الأحكام أيضا أوّلا بالإجماع المركب وثانيا بالأولويّة لأنّ قول العدل إذا كان حجّة في الموضوعات مع ثبوت طريق العلم إليها للمكلّف في الجملة وعدم كونها مجعولة للشّارع وموقوفة على بيان الشّارع فكونه طريقا مجعولا إلى ما هو مجعول له وليس للمكلّف إليه طريق أصلا إلاّ ببيانه أولى ومنها ما نقله المحقّق القمي عن بعضهم من أنّ التعليل بقوله أن تصيبوا قوما بجهالة أنّما يجري فيه وفي مثله لا مطلق الخبر والمقصود إثبات حجيّة مطلق الخبر انتهى وحاصله أنّ المراد بالمفهوم بملاحظة العلّة بيان حجيّة خبر العادل