واعتمادهم عليه في أمورهم وبالجهالة هي الجهالة العرفيّة الّتي هي مقابل الوثوق الشّامل للشّك والظنّ وفي الآية إرشاد إلى طريقة العقلاء لعدم أقدامهم في أمورهم إلاّ على ما يحصل معه الوثوق وسكون النّفس فالمقصود من الآية هو الأمر بالفحص عن خبر الفاسق إذا جاء به وتحصيل الوثوق بصدوره تحرزا عن الوقوع في النّدم بسبب العمل بخبره من دون وثوق بصدقه والآية حينئذ تدل بمنطوقها من حيث الأمر بالتّبين والتّعليل بمخافة الإصابة بالجهالة على كون المناط في العمل بالأخبار حصول الوثوق بصدق المخبر سواء كان عادلا أم فاسقا والتّفصيل بين العادل والفاسق حينئذ إنّما هو من جهة كون خبر العادل الواقعي مفيدا للوثوق غالبا دون الفاسق وإلاّ فالمفهوم ليس بمقصود على ما ذكرنا من كون مناط العمل حصول الوثوق بصدق المخبر مطلقا ولا ريب أن استعمال التبيّن في معنى الوثوق والجهالة فيما يقابله أمر شائع في العرف ولا تأبى عن الحمل عليه ألفاظ الكتاب ويؤيّده أنّه قد وقع الإجماع كما سيجيء على حجيّة خبر الفاسق الموثوق بالصّدور الّذي يسمّى صحيحا عند القدماء فإن قلنا بكون المراد بالتبيّن هو العلم والجزم وبالجهالة ما يقابله يلزم تخصيص منطوق الآية بالإجماع المذكور وإن قلنا بكون المراد به ما يشمل الوثوق وبالجهالة ما يقابله كان خبر الفاسق الموثوق بالصّدور خارجا من منطوقها موضوعا لكون عدم وجوب التبيّن عنه لأجل كونه متبيّنا لأجل الوثوق بصدوره فمع الشّك ودوران الأمر بين الأمرين كان الثّاني راجحا لما تقرّر في محلّه من كون احتمال التّخصّص مقدّما على احتمال التّخصيص عند دوران الأمر بينهما نعم يمكن أن يقال إنّ الأمر في المقام دائر بين التّخصيص والمجاز لا بين التّخصيص والتّخصص لأنّ إن بقي لفظا التبيّن والجهالة على ظاهرهما من إرادة طلب تحصيل العلم وما يقابله كما هما معناهما لغة يلزم التّخصيص كما عرفت وإن أريد بهما الوثوق وما يقابله فهو مجاز وإن استعقب كون خروج الخبر الموثوق بالصّدور من منطوق الآية بحسب الموضوع كما عرفت فالأمر دائر بين التّخصيص والمجاز المستعقب للتّخصص والتّخصيص أولى من المجاز اللهمّ إلاّ أن يقال إنّ قولهم بذلك أنّما هو بحسب النّوع والأقرب مجاز يقدم على التّخصيص لأجل خصوصيّة المقام كما أنّهم أطلقوا تقديم الخاص على العام مع اشتهار أنه رب عام يقدم على الخاص وحينئذ يقال بأولوية هذا المجاز نظرا إلى شيوع استعمال التبيّن فيما يشمل الوثوق وعدم تسميتهم له بالجهالة في العرف ثم إن لازم هذه الطّريقة هو التفصيل في أقسام الخبر بينما يفيد الوثوق وما لا يفيده لا القول باعتبار خصوص الصّحيح والموثق فيعتبر من أقسام الصّحاح الصّحيح الأعلى لإفادته الوثوق إلا فيما منع منها بعض الموانع الخارجة وكذا من الصّحيح المشهوري ما أفاد الوثوق ولو بمعونة القرائن الخارجة ومن قسم الحسن ما كان مدح رواته في أعلى مراتبه مثل كون الرّاوي من مشايخ الإجازة ومثل ما قيل في علي بن إبراهيم بن هاشم من أنه أوّل من نشر أخبار الكوفيين بقم مع ما هو المعروف من أهل قم من إخراجهم منها من يروي عن الضعفاء ومن قسم الموثّق ما كان رواة سنده مع وثاقتهم ممدوحين بما يفيد الوثوق بصدقهم مثل ما حكي من أنّ علي بن الحسن بن علي بن فضال مع كونه فطحيا لم يرو عن أبيه شيئا قال وكنت أقابله بكتبه وسنّي ثماني عشرة سنة ولا أفهم إذ ذلك ولا أستحل أن أرويها عنه وعن النجاشي أنه لم يعثر له على زلة في الحديث ولا ما يشينه وقلما يروي عن ضعيف وقد شهد له بالثقة الشيخ والنجاشي ومن قسم الضعيف ما كان منجبرا بالشّهرة وقد نقل بعض مشايخنا عن المصنف رحمهالله أنّه قال إلى ما ذكرنا ينظر ما صنعه العلاّمة في الخلاصة من تقسيمه كتابه إلى قسمين وذكر من نقبل روايته في القسم الأوّل ومن ترد روايته في القسم الثّاني وأنّه ذكر علي بن الحسن بن علي بن فضال في القسم الأوّل والحسن بن علي بن فضال في القسم الثّاني مع كونه أيضا ثقة في مذهبه وأنت خبير بأنّ العلاّمة إنّما ذكرهما في القسم الأوّل فلاحظ فإن قلت إنّ العاملين بخبر الوليد كانوا جماعة من العقلاء فلو صح ما ذكرت من تنزيل الآية على طريقة العقلاء من عدم عملهم إلاّ بما يفيد الوثوق والاطمئنان كانت الآية حينئذ صريحة في خلاف ما ادعيت من انسياقها لبيان حجيّة الخبر الموثوق بالصّدور وذلك لأنّك قد عرفت أنّ جماعة من العقلاء قد عملوا بخبر الوليد واعترفت أيضا بعدم عملهم إلاّ بما يفيد الوثوق والفرض أنّ الآية قد نزلت في ردعهم عمّا ارتكبوه فتكون صريحة في نفي جواز العمل بما يفيد الوثوق قلت إنّ الوليد لعلّه كان عدلا عندهم في الظّاهر كما يقتضيه تولّيه لأمر الصّدقات من قبل النّبي صلىاللهعليهوآلهوسلم وقد حصل لهم الوثوق من خبره إلاّ أنّ الله تعالى قد كشف الحجاب عن سرّه المحجوب عنهم ونبّه على فسقه بالأمر بالتبيّن عن خبره أو يقال إنه قد حصل لهم الوثوق الابتدائي من خبره لأجل عدالته الظّاهرة فزعموه وثوقا تامّا فجروا على مقتضاه إلاّ أنّ الله سبحانه نبههم على تحصيل الوثوق المستقر بالأمر بالتبيّن عن خبره وكونه فاسقا في الواقع وهذا غاية توجيه المقام وتحريره وهو بعد لا يخلو عن نظر بل منع إذ يرد عليه مضافا إلى ما أسلفناه في الحاشية السّابقة أوّلا أنه خلاف ظاهر التبيّن لأنّه حقيقة في طلب البيان العلمي فلا يعدل عنه إلاّ بقرينة ومجرّد شيوع إطلاقه على ما يشمل الوثوق لا يصلح قرينة عليه مضافا إلى مخالفة ما تقدّم لظاهر لفظ الجهالة أيضا لأنّها مخالفة خلاف العلم وثانيا أنّ الوثوق غير معتبر في مورد الآية لعدم الاعتداد به في الموضوعات خصوصا في الارتداد إذ لا أقلّ فيه من عدلين ثمّ لا يذهب عليك أن منعنا من دلالة الآية على اعتبار الخبر الموثوق بالصّدور لا ينافي قولنا به من جهة الإجماع أو غيره (قوله) وأمّا ما أورد على الآية بما هو قابل للذب إلخ لا يخفى أنّ المصنف رحمهالله قد أشار إلى جملة منها ولنشر إلى أخرى منها ما أورده المحقّق الكاظمي رحمهالله في شرح الوافية قال والتحقيق