مجيء الفاسق به مع مجيء العادل به خروج من قانون أخذ المفهوم لأنّ متعلّق وجوب التبيّن في طرف المنطوق هو خبر الفاسق دون العادل حتّى يفيد المفهوم عدم وجوب التبيّن عن خبره فالمفهوم ليس قابلا إلاّ للسّلب باعتبار انتفاء الموضوع فليس مردّدا بينه وبين السّلب باعتبار انتفاء المحمول حتّى يحمل على الثّاني بدعوى كون الأوّل مجازا ثمّ إنّ في كلام المحقّق القمي مواقع للنّظر لا بأس بالإشارة إليها أحدها أنّ عدوله في التّوجيه عن كون المفهوم قولنا إن لم يجئ فاسق بخبر إلى قولنا إن لم يجئ خبر الفاسق عار عن الفائدة إذ كما أن عدم مجيء خبر الفاسق أعمّ من عدم تحقّق خبر أصلا ومن تحقّق خبر وكان خبر العادل كذلك عدم مجيء الفاسق بخبر أعمّ منهما إذ مع عدم تحقق خبر أصلا كما يصدق أنّ الفاسق لم يجئ بخبر كذلك مع مجيء العادل به وثانيها أنّ الظّاهر من قوله أنّ المطلوب داخل في المفهوم وإن لم يكن هو هو إنّ عدم مجيء خبر الفاسق كلي له فردان أحدهما عدم مجيء خبر أصلا والآخر مجيء خبر العادل وهو ضعيف في الغاية لوضوح عدم كون الثّاني فردا للكلي المذكور لعدم المناسبة والعلقة بينهما كما أنّ إعطاء زيد ليس فردا لعدم ضربه وإن صحّ سلبه عنه وثالثها أنّ ما ذكره من حمل السّالبة على كونها باعتبار انتفاء الموضوع يعطي تسليمه تأتي احتمال ذلك في المقام سيّما بملاحظة جوابه بكونها مجازا وهو بعيد من مثله إذ القضايا الإيجابيّة والسّلبيّة والحقيقة والمجاز أنّما تستعمل في الألفاظ والمفاهيم من قبيل اللبيّات لكونها من لوازم التعليق بالشّرط مثلا في المنطوق فالأولى ما ذكره المصنف رحمهالله من منع وجود المفهوم للشرط المذكور في الآية لا تسليمه ودعوى كونه من قبيل السّلب باعتبار انتفاء الموضوع فضلا دعوى عن كون ذلك مجازا وقد ظهر أنّ الآية باعتبار مفهومها الشّرطي لا تنهض لإثبات حجيّة خبر العادل نعم لو كانت الآية هكذا نزلت إن كان المنبئ فاسقا فتبيّنوا دلّت باعتبار مفهوم الشّرط على حجيّة خبر العادل ودعوى أنّ الآية مسوقة لبيان حال المنبئ وأنّ الأمر بالتبيّن أنّما هو لفسق المنبئ فهي في قوّة أن يقال إنّ المنبئ إن كان فاسقا يجب التبيّن عن خبره فهو يدل على حجيّة خبر العدل مندفعة بأنّ إمكان تحويل صورة قضيّة إلى أخرى لا يوجب كون مفاد الأولى مفاد الثّانية إذ المعتبر ما يستفاد من القضيّة على النّحو الّذي اشتملت عليه وقد عرفت أنّ الآية على كيفيّتها الخاصّة لا تفيد حجيّة خبر العادل والله العالم (قوله) بحسب الدّلالة العرفية أو العقليّة إلخ في الترديد إشارة إلى الخلاف في كون دلالة الكلام على المفهوم المخالف بحسب الوضع بأن كان الكلام المقيّد بالشّرط أو غيره موضوعا للدّلالة على الانتفاء بأن كان التقيّد داخلا في الموضوع له والقيد خارجا منه لئلاّ يكون الدّلالة على المفهوم بحسب المنطوق أو بحسب العقل ويرشد إلى الأوّل تمسّكهم في إثبات المفهوم بفهم العرف وإلى الثّاني تمسّكهم في إثباته بأنّه لو لا إرادة المفهوم كان التقييد لغوا(قوله) والتّرجيح مع ظهور إلخ لأن المنطوق أقوى من المفهوم (قوله) وإن كان عموما من وجه إلخ لأنّ العلّة تقتضي عدم حجيّة خبر الواحد الظني مطلقا سواء كان المخبر فاسقا أم عادلا والمفهوم يقتضي حجيّة خبر العادل مطلقا سواء أفاد العلم أم لا فيتعارضان في خبر العادل الظنّي (قوله) خارج عن المنطوق إلخ بقرينة الأمر بالتّبين في المنطوق والخبر العلمي مبيّن في نفسه فلا يحتاج إلى التبيّن عنه بل لا معنى له فيه (قوله) إلا أنا ندعي التّعارض إلخ لا يخفى أنّ دعوى أظهرية العلّة في العموم من ظهور الجملة الشّرطيّة في إرادة المفهوم في خصوص المقام بعيدة عن الإنصاف لأن الحكم إذا قيّد بقيد وهو الشّرط هنا ثمّ علّل بشيء فالمتبادر منه كون العلّة علّة لخصوص الحكم المقيّد فالمتبادر من الآية أنّ قوله تعالى (أَنْ تُصِيبُوا) علّة لوجوب التبيّن عن خبر الفاسق بشرط مجيء الفاسق به دون العادل لا عن مطلق خبر الفاسق فكأنّه تعالى قال يجب التبيّن عن خبر الفاسق بشرط مجيء الفاسق به لعلّة كذا وحينئذ فدعوى أظهريّة العلّة في الدّلالة على العموم من الجملة الشرطيّة على المفهوم غير معلومة سيّما مع تأيّد الجملة الشّرطيّة في إرادة المفهوم هنا بمقابلة الفسق للعدالة ومناسبة التبيّن للفسق حيث لا رادع للفاسق عن تعمّد الكذب بخلاف العادل نعم لو خلي الكلام عن الشّرط بأن قال يجب التبيّن عن خبر الفاسق مخافة الإصابة بناء على
عدم اعتبار مفهوم الوصف تعدّت العلّة إلى غير موردها أيضا وهو خبر العادل كما ذكره من مثال لا تأكل الرّمّان لأنّه حامض وكذا لو كان الشّرط والعلّة منفصلين مع تأمل فيه فإن قلت إن ما ذكرته من الأظهريّة خلاف المتفاهم عرفا كما ذكره المصنف رحمهالله من مثال وصف الدّواء الّذي صرّح بكون ما نحن فيه من قبيله قلت أولا إنّك مع ما عرفت من المؤيّدات الخارجة أنّ الغرض في الأمثلة العرفيّة معلوم غالبا إذ من الواضح أن قول القائل إذا وصفت امرأة لك دواء فلا تشربه إنّما هو لأجل عدم الائتمان بقول المرأة لا لأجل خصوصيّة للمرأة في هذا الحكم والتّعليل لزيادة التوضيح فإن قلت إنّ ما نحن فيه أيضا كذلك لأنّ المنساق من الآية مع قطع النّظر عن العلّة أنّ الغرض من الأمر بالتبيّن عن خبر الفاسق أيضا مجرّد احتمال تعمّده للكذب والتّعليل لمجرّد التّوضيح قلت إنا نمنع ذلك لاحتمال كون الغرض منه مع قطع النّظر عن العلّة هو عدم الائتمان بخبر الفاسق لعدم الرادع له عن تعمد الكذب وهذا الغرض منتف في خبر العادل وثانيا أنّ النّسبة بين عموم المفهوم والعلّة في المثال عموم من وجه ونحن لا نضايق عن كون عموم العلّة أظهر من عموم المفهوم فيخصّص به والمقصود في المقام كون دلالة العلّة على العموم أظهر من ظهور الجملة الشّرطيّة في أصل إرادة المفهوم ولا ريب أنّ التّخصيص للمفهوم أهون من رفع اليد عن أصل المفهوم ومن هنا يظهر وجه النّظر في قوله وما نحن فيه من هذا القبيل اللهمّ الآن يقال إنّ الدّواء الموصوف المأمون عن ضرره خارج من المثال منطوقا ومفهوما كما أنّ الخبر العلمي خارج من الآية كذلك ولا يخلو عن نظر لأنّ الأمر بالتبيّن