أحدا فراع حقّه وقوله تعالى (وَلا تُكْرِهُوا فَتَياتِكُمْ عَلَى الْبِغاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً) وهكذا غيرهما ممّا أشار إليه المصنف رحمهالله وهذا الاستعمال ليس مجازا إلاّ على القول يكون التقيد بالمفهوم مأخوذا في مفهوم اللّفظ بحسب الوضع بأن كان التقيّد داخلا والقيد خارجا كما قرّر في محلّه (قوله) وممّا ذكرنا يظهر فساد ما يقال إلخ توضيح المقام أنّ صاحب المعالم قال في تقريب الاستدلال أنّه سبحانه علق وجوب التثبت على مجيء الفاسق فينتفي عند انتفائه عملا بمفهوم الشّرط وإذا لم يجب التثبّت عند مجيء غير الفاسق فأمّا يجب القبول وهو المطلوب أو الردّ وهو باطل لأنّه يقتضي كونه أسوأ حالا من الفاسق وفساده بيّن انتهى وقال الفاضل الصّالح عند شرح قوله فينتفي عند انتفائه أي فينتفي وجوب التّثبت عند مجيء غير الفاسق عملا بمفهوم الشّرط سواء لم يكن هناك جاء أو كان وكان عادلا انتهى وحيث كان هذا الاستدلال ضعيفا لأن المفهوم عدم مجيء الفاسق بالخبر بأن كان هنا فاسق ولم يجئ بالخبر كما هو مقتضى أخذ السّالبة منتفية المحمول فلا يشمل صورة مجيء العادل بالخبر فوجّهه المحقّق القمي رحمهالله مع الاعتراض على أصل الاستدلال فقال والوجه عندي أنّه ليس من باب مفهوم الشّرط لأنّ غاية ما يمكن توجيهه على ذلك أن يكون المعنى إن جاءكم خبر الفاسق فتبينوا ومفهومه إن لم يجئكم خبر الفاسق فلا يجب التبيّن سواء لم يجئكم خبر أصلا أو جاءكم خبر عدل فالمطلوب داخل في المفهوم وإن لم يكن يكن هو هو ثم أورد عليه أولا بأنّ ظاهر الآية إن جاءكم الفاسق بالخبر ومفهومه إن لم يجئ الفاسق بالخبر لا إن لم يجئ خبر الفاسق وثانيا بأنّ المراد بالتبيّن والتّثبت طلب ظهور حال خبر الفاسق والثّبات والقرار حتّى يظهر حال خبر الفاسق فكأنّه قال تبينوا خبر الفاسق فالمفهوم يقتضي عدم وجوب تبيّن حال خبر الفاسق لا خبر العادل للزوم وحدة الموضوع والمحمول في المفهوم والمنطوق في الشّرط والجزاء نعم لمّا كان مقدم المفهوم إن لم يجئكم خبر الفاسق بحيث يشمل عدم خبر أصلا أو مجيء خبر عادل وتاليه لا يجب تبيّن خبر الفاسق بحيث يشمل ما لو لم يكن هناك خبر أصلا أو كان ولكن كان خبر العادل فيندرج فيه خبر العادل ولكن لا يدلّ على عدم وجوب تنبيه مع أنّ ذلك خروج عن حقائق الكلام وترك للعرف والعادة بمجرّد احتمال كون السّالبة منتفية الموضوع ولا ريب أنّه مجاز لا يصار إليه وقسمة المنطقيين السّالبة إلى الموجود الموضوع والمنتفى الموضوع لا توجب كونه معنى حقيقيّا لها أو عرفيّا والكتاب والسّنّة أنّما وردا على مصطلح أهل اللّغة والعرف لا مصطلح أهل الميزان انتهى (قوله) ولكن لا يدلّ على عدم وجوب تنبيه إلخ يعني أنّ المقدم أعني عدم مجيء خبر الفاسق وإن كان أعم من عدم مجيء خبر أصلا ومن مجيء خبر العادل وكذلك التّالي أعني عدم وجوب التبيّن عن خبر الفاسق شاملا لما لم يكن هنا خبر أصلا أو كان ولكن كان خبر العادل إلا أنّ ذلك لا يثبت عدم وجوب التبيّن عن خبر العادل كما هو مراد المستدلّ بمفهوم الشّرط إذ حكم التبيّن إيجابا وسلبا في المنطوق والمفهوم لم يقع إلا على خبر الفاسق إذ الآية على تقدير عموم المقدّم والتّالي كما عرفت في قوّة أن يقال إن جاءكم خبر الفاسق يجب التبيّن عن خبر الفاسق وإن لم يجئكم خبر الفاسق لا يجب التبيّن عن خبر الفاسق فالحكم بوجوب التّبين في المنطوق وبعدمه في المفهوم متعلّق بخبر الفاسق فخبر العادل مسكوت عنه من هذه الجهة وإن كان عدم مجيء خبر الفاسق وكذلك عدم وجوب التبيّن عن خبره شاملا لصورة عدم مجيء خبر أصلا ولصورة مجيء خبر العادل (قوله) مع أن ذلك إلخ هذا اعتراض آخر على المستدل بالمفهوم بكونه خروجا من حقائق الكلام وتركا للعرف والعادة بمجرّد احتمال كون السّالبة باعتبار انتفاء موضوعه وذلك لأن الاستدلال بمفهوم قوله تعالى (إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا) أعني قولنا إن لم يجئكم فاسق بنبإ لا يجب التّبيّن عنه أنّما هو بتقريب أنّ عدم مجيء الفاسق كما يتحقّق باعتبار انتفاء المحمول وبقاء موضوعه بأن يتحقق هنا فاسق ولم يجئ بخبر كذلك يتحقق بانتفاء الموضوع بأن يتحقق هنا خبر من دون وجود فاسق بأن كان الجائي بالخبر عادلا إذ يصدق حينئذ أيضا أنّ الفاسق لم يجئ بالخبر وعلى هذا التقدير تدلّ الآية بحسب مفهومها على عدم وجوب التّبيّن عن خبر العادل فالاستدلال بمفهومها أنّما يتم على تقدير أخذ السّالبة في طرف المفهوم باعتبار سلب الموضوع دون المحمول ووجه الاعتراض حينئذ واضح وإذا عرفت هذا فاعلم أنّ المصنف رحمهالله قد أشار إلى أنّك بعد ما عرفت من عدم تحقّق المفهوم للقضية وكون الشّرط وارد البيان حال الموضوع كما أوضحناه في الحاشية السّابقة ظهر لك فساد كلّ من تقريب الاستدلال كما عرفته من محشى المعالم والاعتراض عليه بعد توجيهه بكون أخذ السّالبة باعتبار سلب موضوعها مجازا كما عرفته من المحقق القمي رحمهالله أمّا الأوّل فإنا قد أشرنا في الحاشية السّابقة أنّ المعتبر في أخذ المفهوم هو إبقاء القضيّة في طرف المفهوم على ما هي كانت عليه في طرف المنطوق إلاّ في الإيجاب والسّلب بأن اتحدا في الموضوع والمحمول وجميع القيود المذكورة وغيرها إلاّ في الإثبات والنّفي فالقضيّة إن كانت موجبة فمفهومها يفيد سلب الحكم عن الموضوع المذكور فيها مع بقائها على جميع القيود المذكورة فيها وبالعكس في صورة العكس فالمفهوم في الآية هو عدم وجوب التّبيّن عن خبر الفاسق عند عدم مجيء الفاسق به لا عن خبر العادل حتّى تقيّد حجيّته وأمّا الثّاني فلمّا عرفت من أنّ المفهوم في القضيّة الموجبة هو سلب الحكم عن الموضوع المذكور فيها مع بقاء جميع القيود المذكورة فيها على حالها في طرف المفهوم فنقول إنّ الحكم في الآية هو وجوب التّبين وموضوعه خبر الفاسق والشّرط مجيء الفاسق به فالتّعليق بالشّرط يفيد نفي وجوب التّبيّن عن خبر الفاسق عند عدم مجيء الفاسق به فالسّلب في طرف المفهوم ليس قابلا لغير السّالبة بانتفاء الموضوع إذ اعتبار وجود الموضوع باعتبار مجيء العادل بالخبر نظرا إلى صدق عدم