في تقريب الاستدلال بعدم الحاجة إليها أولا وبمنع الأولوية ثالثا على تقدير تسليمها وأصل الاعتراض من صاحب الفصول قال إنّ الله تعالى علق وجوب تبيّن النّبإ على مجيء الفاسق به فيدلّ بمفهومه على عدم وجوب التبيّن عند مجيء العادل ومقتضاه جواز القبول لأنّ الأمر بطلب البيان إمّا كناية عن عدم جواز القبول أو مخصوص بما أريد العمل بمقتضى بنائه فيكون وجوبه شرطيّا ويرجع إلى الوجه السّابق أو بمواضع خاصّة لا بدّ من التبيّن فيها منها الواقعة الّتي نزلت الآية فيها حيث يجب فيها طلب البيان بمطالبتهم بالصدقات فإن انقادوا إلى الحقّ وأدوها تبيّن كذب النبإ قضاء بظاهر الحال وإن استنكفوا عنها وأظهروا التمانع والمعادات تبين صدقه ووجب التهجّم على جهادهم لكن هذا في الحقيقة راجع إلى طلب أمر مخصوص يحصل به البيان وليس بطلب نفس البيان حقيقة وبالجملة فلا بدّ من حمل الأمر بالتبيّن على أحد هذه الوجوه للإجماع على عدم وجوب التّبيّن عند خبر الفاسق مطلقا وعلى هذا فما تداول في كتب القوم من بيان وجه الاستدلال من أنّه علق وجوب تبيّن النبإ على مجيء الفاسق به فعلى تقدير مجيء العادل به إمّا أن يجب القبول وهو المدّعى أو يجب الرّد فيلزم أن يكون العادل أسوأ حالا من الفاسق غير مستقيم إذ مرجع الأمر بالتبيّن فيما عدا الوجه الأخير إلى ردّ بنائه وفي الوجه الأخير يجب التبيّن في بناء العادل أيضا وإنما يتمّ ما ذكروه إذا حمل الأمر بالتبيّن على وجوبه مطلقا وهذا ممّا لا ذاهب إليه انتهى وحاصله أنّ التبيّن عن نبإ الفاسق حيث لم يكن واجبا نفسيّا إجماعا فلا بدّ من التّصرف في ظاهر الآية بحملها إمّا على كون الأمر بالتبين كناية عن ردّ خبره وعدم قبوله فيدلّ بالمفهوم حينئذ على جواز قبول خبر العادل وإمّا على كون وجوب التبيّن شرطيّا بأن كان جواز العمل بخبر الفاسق عند الحاجة إليه مشروطا بالتبيّن فتدلّ الآية حينئذ على جواز قبول خبر العادل من دون تبيّن وإمّا على موارد مخصوصة وحيث قد عرفت أن مقتضاها على هذا الوجه وجوب التبيّن عن خبر العادل أيضا فيجب حملها على أحد الوجهين الأوّلين فتدل على حجيّة خبر العادل من دون الضّميمة المتقدّمة(قوله) مضافا إلى أنّه المتبادر إلخ لأنّ المتبادر من مادة التّبيّن كمادة التّجسّس والتّفحّص ونحوهما كون اعتبارها لأجل ملاحظة حال الغير لا ملاحظة نفسها من حيث هي فاعتباره في الآية أنّما هو للاستكشاف به عن خبر الفاسق من حيث صدقه وكذبه (قوله) ما لا يخفى إلخ لأنّه إذا كان التبيّن واجبا نفسيّا فمقتضى المفهوم حينئذ عدم وجوب التبيّن نفسا عند خبر العادل ولا ريب أنّه لا دلالة فيه على قبول خبره من دون تبيّن إذ لا منافاة بين عدم مطلوبيّة التبيّن عن خبر العادل بالوجوب النّفسي وبين كون التبيّن شرطا في جواز العمل بخبره والمفهوم أنّما ينفي الأوّل دون الثّاني وحينئذ يشترك العادل مع الفاسق في عدم جواز العمل بخبرهما قبل التبيّن ويختصّ الفاسق بكون التبيّن عند إخباره واجبا نفسيّا وهو لا يستلزم الأولويّة المذكورة بل مزيّة كاملة للعادل على الفاسق لأن الأمر بالتبيّن حينئذ عن خبر الفاسق دون العادل يحتمل أن يكون لمراعاة حال العادل إذ مع الفحص عن خبره ربّما يظهر كذبه فينهتك ستره بين النّاس وتزول منزلته عن القلوب بل نفس التبيّن عن خبر العادل ربّما يستلزم نوع استخفاف له ولعلّ الأمر بالتأمّل إشارة إلى أن مراعاة الشّارع لحال العادل وعدم رضاه باستخفافه وانحطاط رتبته عند النّاس أنّما تتم مع عدم جواز التبيّن عن خبره لا مع عدم وجوبه المستلزم لجوازه بل في التوقف في خبره قبل التبيّن نوع استخفاف له أيضا لأنا إذا تبينا عن خبر الفاسق وظهر صدقه فعملنا به وتوقفنا في خبر العادل لعدم التبيّن عنه ولو لأجل عدم وجوبه فهو يستلزم نوع استخفاف له لا محالة فإجلال العادل وإعظامه أنّما يتم مع قبول خبره من دون تبيّن لا مع التّوقف فيه (تنبيه) اعلم أنا إن قلنا بكون العدالة ملكة راسخة يتجه القول بالواسطة حينئذ بين العادل والفاسق وربّما يعدّ منها مجهول الحال وهو ضعيف لعدم خروجه عن أحد القبيلين في الواقع نعم منها من بلغ ولم يصدر عنه ذنب بالنّسبة إلى مقدار زمان لم تحصل له فيه الملكة القدسيّة وكذلك الكافر إذا أسلم ولم يصدر عنه ذنب بالنسبة إلى الزمان المذكور وإن لم نقل بها بأن قلنا بكونها عبارة عن مجرد ظهور الإسلام من دون ظهور فسق أو مجرّد حسن الظاهر فحينئذ تنتفي الواسطة بينهما لا محالة فعلى الأوّل فالآية تدلّ على حجيّة خبر غير الفاسق سواء كان عادلا أم واسطة بينه وبين العادل فهي حينئذ لا تنهض لإثبات اشتراط العدالة في حجيّة خبر الواحد لفرض حجيّة خبر الواسطة لكنهم قد استدلوا بها على اشتراط العدالة في باب الشّهادات وذلك إما لأجل قلّة وجود الواسطة فأطلقوا القول باشتراط العدالة وإمّا لأجل عدم تفسيرهم العدالة بالملكة كما عرفت وإمّا لأجل توهم كون المفهوم عبارة عن نفي الحكم المذكور عن ضدّ وجودي للموضوع المذكور لا عن نقيضه المنطقي بأن يقال إنّ مفهوم قولنا في الغنم السّائمة زكاة نفي وجوبها عن المعلوفة لا عن غير السّائمة لأنّ الآية حينئذ أنّما تدل بمفهومها على عدم وجوب التبيّن عن خبر العادل لا عن خبر غير الفاسق ليشمل الواسطة (قوله) إلى نيف وعشرين إلخ قال الطّريحي تكرر في الحديث ذكر النيف ككيس وقد يخفّف وهو الزّيادة وكلما زاد على العقد فنيف إلى أن يبلغ العقد الثّاني ويكون بغير تأنيث للمذكّر والمؤنّث ولا يستعمل إلاّ معطوفا على العقود فإن كان بعد العشرة فهو لما دونها وإن كان بعد المائة فهو للعشرة فما دونها وإن كان بعد الألف فهو للعشرة فأكثر كذا تقرّر بينهم وفي بعض كتب اللّغة وتخفيف الياء لحن عند الفصحاء وحكي عن أبي العبّاس أنّه قال الذي حصّلناه من أقاويل حذاق البصريين والكوفيّين أنّ النيف من واحد إلى ثلاثة والبضع من أربعة إلى تسعة ولا يقال نيّف إلاّ بعد عقد نحو عشرة ونيف ومائة ونيف وألف ونيّف ومنه يظهر بين القولين تدافعا انتهى (قوله) خصوصا في الوصف إلخ هذه