حملها على أحد الوجوه المذكورة ثمّ إنّ المراد بعدم الموافقة في قوله من القطع بصدور الأخبار الغير الموافقة هو عدم الموافقة لأجل عدم وجود مضمون الخبر في الكتاب والسّنّة ولكنّك خبير بأنّ غاية ما تدلّ عليه رواية العيون هو وجود خبر لا يوجد مضمونه في الكتاب والسّنّة في جملة الأخبار لا صدور مثل هذا الخبر عن الإمام عليهالسلام (قوله) محمولة على ما تقدّم إلخ من الوجوه الثلاثة وحاصله أنّ هذه الطّائفة أيضا كالطّائفة الأولى على قسمين فيحمل كلّ قسم منهما على ما حمل عليه قسما الطّائفة الأولى مع زيادة محمل آخر هنا أشار إليه هنا بقوله مع احتمال كون ذلك (قوله) قوله تعالى في سورة الحجرات إلخ عن قراءة الأكثرين تبينوا بالباء والنّون وعن الحمزة والكسائي تثبتوا من التثبّت وهو التوقف إلى أنّ تتبيّن الحال (قوله) والمحكي في وجه الاستدلال بها إلخ لا يخفى أنّه ربّما يظهر من جماعة الاحتجاج بهذه الآية لعدم حجيّة خبر العدل وسيأتي الكلام فيه عند بيان ما يتعلّق بما أورده المصنف رحمهالله على الآية ممّا لا يمكن الذب عنه وأمّا المتمسّكون بها لإثبات حجيّة خبر العدل فلهم في ذلك طرق فمنهم من تمسّك بمفهوم الشّرط ومنهم من تمسّك بمفهوم الوصف ومنهم من تمسّك بالعلّة المستفادة من تعليق الحكم بالوصف وقد احتمل التمسّك بها جمال العلماء في حواشي العضدي حيث قال إنّ في الآية الكريمة مفهومين أحدهما مفهوم الشّرط وثانيهما مفهوم الفاسق ومفهوم الشّرط المختار اعتباره لكن اعتباره لا يفيد هاهنا إذ لا يفيد إلا عدم وجوب التبيّن عند عدم المجيء وهو كذلك وثانيهما الفاسق والظّاهر أنّه من قبيل مفهوم اللقب كقوله في الغنم زكاة واعتباره ضعيف لأنّ بناءه على أنّ تخصيصه بالذّكر يوهم أنّ غيره على خلافه وهو ضعيف كما سيجيء تحقيقه ويمكن أن يقال إنّه من قبيل ترتيب الحكم على الوصف المناسب للعلية فيشعر بعليّته أي بأنّ علّة وجوب التبيّن هو كون الجائي فاسقا فلو كان كون الخبر خبر واحد موجبا له لما صحّ ذلك انتهى ومنهم من تمسّك بمنطوق الآية بتقريب أن التبيّن هو استظهار حال الغير وظهوره كما يحصل بالعلم كذلك يحصل بالوثوق والظنّ الحاصل بخبر العدل بل الآية حينئذ تدل على اعتبار مطلق الظنّ حتّى مثل الشّهرة ومنهم من تمسّك بمنطوقها أيضا نظرا إلى اقتضاء العلّة أعني قوله أن تصيبوا ذلك لأن مقتضاها الأمر بالتبيّن عن خبر الفاسق لأجل كون العمل بخبره من دون تبيّن عن صدقه وكذبه مستلزما ولو غالبا لإصابة القوم بجهالة المستعقبة للنّدامة كمن سلك طريقا في ليلة مظلمة من دون معرفة بطرق البادية فضلّ عن الطّريق فندم على فعله بعد اسفرار الصّبح وانكشاف الظّلمة كما أشار إليه بقوله (فَتُصْبِحُوا) الآية إذ المراد بالعمل بخبره مع الجهالة هو العمل به من دون خبرة بحاله من حيث كونه صادقا أو كاذبا فيه بحيث لا يقدم عليه العقلاء في أمورهم لا مقابل العلم الشّامل للوثوق والظنّ ولا ريب أنّ العمل بخبر العادل ليس عملا بالخبر مع الجهالة على الوجه المذكور كيف والعقلاء يعتبرون خبره في أمورهم ويعتنون بالظنّ الحاصل منه فيها فلا بد أن يكون خبره معتبرا بمقتضى العلّة وأمّا الأوّل والثاني فقد أشار إليهما المصنف رحمهالله وستقف على تفصيل الكلام فيهما وأمّا الثّالث فقد عرفت أنّه ممّا احتمله جمال العلماء وغراه المحقق الكاظمي إلى العلاّمة في وجه الاستدلال بالآية لأنّه بعد أن ذكر في المقام ما لا يهمّنا نقله قال وكيف كان فمفهوم الشّرط هاهنا غير مراد إذ الشّرط أنّما هو مجيء الفاسق لا الفسق ولم يبق هنا إلاّ تخصيص الفاسق بالذّكر ومن ثم ذهب جماعة منهم المصنف رحمهالله إلى أن دلالتها على قبول خبر غير الفاسق من باب مفهوم الوصف كما في قوله في الغنم السّائمة زكاة وهو المسلك الثّاني والتّحقيق أنّه مفهوم لقب إذ أقصى ما فيه تخصيص الفاسق بالذكر كما في قولك إن جاءك زيد بنبإ فتبيّنوا فيشعر بأن علّة وجوب التبيّن وصف مذكور بالفسق كما في أن جاءكم بنبإ فاسق المسلك الثّالث ما سلكه العلاّمة وهو التحقيق أنّ دلالتها على المطلب أنّما جاء من تعليق الحكم وترتيبه على الوصف المناسب للعليّة فيشعر بأنّ علّة وجوب التبيّن هو كون الجائي فاسقا وذلك يقتضي عدم وجوب التبيّن عند انتفاء الفسق لأن انتفاء علة قاض بانتفاء معلولها وإلاّ فلا علية فإن قلت أقصى ما يقتضي تعليق الحكم على الوصف المناسب الإشعار بكون هذا الوصف علة لذلك الحكم أما إنه لا علة له سوى هذا الوصف فلا وإن شئت فانظر إلى قولك أكرم العلماء فإنّه يشعر بكون العلم علة للإكرام ولا يمنع من ثبوت علّة أخرى كالأدب والإحسان وغير ذلك قلت يختلف ذلك بحسب المقام فربّ مقام يقتضي انحصار العلة في الوصف المذكور وما نحن فيه من هذا القبيل وذلك لأنّ عادة النّاس لما كانت جارية في قبول الأخبار في معاملاتهم وسياساتهم ومعاشراتهم ولم ينكر الله عليهم من ذلك إلاّ قبول خبر الفاسق علم اختصاص الإنكار بذلك فإنّه لو كان هناك قسم آخر من الأخبار لا يجوز قبوله والتّسارع إلى الأخذ به لأنكره انتهى ووجه جعله الإشعار بالعلية المستفادة من تعليق الحكم على الوصف مقابلا لمفهوم الوصف أنّما هو ما زعمه من كون مفهوم الوصف عبارة عمّا يستفاد من الوصف المعتمد على موصوف دون الوصف المجرد وإلاّ كان من قبيل مفهوم اللّقب كما صرّح في مبحث مفهوم الوصف ويستفاد من العلاّمة أيضا في ذلك المبحث هذا ويرد عليه أوّلا على تقدير تسليم ما ذكره من الفرق منع صلاحية الإشعار لإثبات الأحكام الشرعيّة وإن قلنا بصلاحيته للترجيح في مقام التّعارض وثانيا منع بناء النّاس على العمل بأخبار الآحاد مطلقا في أمورهم إذ القدر المتيقن منه عملهم بالأخبار الّتي تسكن إليها النّفس ويحصل الوثوق بصدق المخبر فيها ومع التسليم فإنّما يسلم عملهم بها في أمور معاشهم لا معادهم كما هو المقصود من إثبات حجيّة خبر العادل في المقام وثالثا أن استفادة العلية إن كانت من مجرد التّعليق فلا وجه حينئذ لنفي حجيّة مفهوم الوصف غير المعتمد وإن كانت من التّعليق على الوصف