الوحيد البهبهاني في رسالته في الاجتهاد والأخبار أن كون الصحيح بمعنى قطعي الصّدور خلاف ظاهر عبارة الشيخ في أوّل التهذيب وصريحها في أوّل الإستبصار كما أشرنا إليه وكذا خلاف ظاهر قولهم أجمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ عنهم على ما أشرنا إليه ثمّ نقل كلام شيخنا البهائي الّذي أشرنا إليه وقال والظاهر من عبارات بعضهم أن إطلاق الصّحيح ليس بمعنى قطعي الصّدور ومنه أنّ الصّدوق ربّما يظهر منه عدم قطعه بصدور الحديث الّذي أفتى به في الفقيه مع أنّه قال في أوّله إنّ كلّما أفتي به وأحكم بصحّته ومن المواضع التي يظهر منها ذلك ما ذكره في باب ما يصلى فيه وما لا يصلّى فيه من الثياب فأمّا الحديث الّذي روى عن أبي عبد الله عليهالسلام أنّه قال لا بأس أن يصلي الرّجل والنّار والسّراج والصّورة بين يديه إلى أن قال فهذا حديث يروى عن ثلاثة من المجهولين بإسناد منقطع يرويه الحسن بن علي الكوفي وهو معروف عن الحسين بن عمرو عن أبيه عن عمرو بن إبراهيم الهمداني وهم مجهولون برفع الحديث قال قال أبو عبد الله عليهالسلام ذلك ولكنّها رخصة اقترنت بها علّة صدرت عن ثقات ثمّ اتّصلت بالمجهولين والانقطاع فمن أخذ بها لم يكن مخطئا بعد أن يعلم أن الأصل هو النّهي وأن الإطلاق هو رخصة والرّخصة رحمة إلى آخر ما ذكره فلو كان هذا الحديث قطعي الصّدور لما كان يطعن في سنده بالنحو المذكور ثمّ يقبلها من جهة القرائن المذكورة ومنها ما ذكره في الباب المذكور من قوله مشايخنا يقولون لا تجوز الصّلاة في العمامة الطّائفيّة إلى آخره غير خفي على المنصف أن الظّاهر من هذه العبارة عدم قطع الصّدوق بكون هذا صادرا عن المعصوم عليهالسلام وذكر المسائل الّتي سمعها عن مشايخه من دون اطلاعه على نصّ فيه في الفقيه متكرّرا ومنها ما ذكره في باب ما يجوز للمحرم الإتيان به وروى علي بن مهزيار قال سألت ابن أبي عمير عن التفاح والأترج والنبق وما طاب من ريحه فقال يمسك عن شمّه وأكله ولم يرو فيه شيئا ولعلّك بالتّتبع تجد كثيرا من مثله فتدبّر ومنها ما ذكره في باب الدّين بعد ذكر رواية عن يونس بن عبد الرّحمن من قوله كان شيخنا محمّد بن الحسن رضي الله عنه يروي حديثا في أن له الدّراهم الّتي تجوز بين النّاس والحديثان متّفقان غير مختلفين إلى آخره وغير خفي أنّ قوله كان شيخنا إلى آخره في غاية الظّهور في عدم قطعه بالصّدور ومع ذلك أفتى بمضمونه مع معارضته لرواية يونس حيث قال فمتى كان إلى آخره فلاحظ وتدبّر ومنها ما ذكره في باب المزارعة والإجارة وسألت شيخنا أحمد بن الحسن عن رجل آجر ضيعته هل له أن يبيعها قال ليس له بيعها قبل انقضاء مدّة الإجارة إلى آخر ما قال وظهوره في مقصودنا ظاهر ومنها ما ذكره في باب الوصي يمنع الوارث ماله بعد البلوغ فيزني لعجزه عن التّزويج بعد أن أورد الحكم بعنوان رواية واحدة عن الكليني ما وجدت هذا الحديث إلاّ في كتاب محمّد بن يعقوب الكليني وما رويته إلاّ من طريقه إلى آخره ونظير ما ذكر وقع منه متكررا منه في باب الصّيد والذّبائح مكرّرا ومنه في باب ما يجب على من أفطر أو جامع في شهر رمضان ومنه في باب صوم الشّكّ ولعلّك لو تتبعت وجدت أزيد ومنها ما ذكره في باب مسّ الميّت وذكر شيخنا محمّد بن الحسن رحمهالله في جامعه في الجارية تموت مع الرّجال قال إذا كانت ابنة أكثر من خمس سنين أو ست دفنت ولم تغسل إلى أن قال وذكر عن علي الحلبي حديثا في معناه عن الصّادق عليهالسلام انتهى وهذا في غاية الظّهور فيما ذكرناه ومنها الرّواية الّتي ذكرها بعنوان رويت على النبإ للمجهول مفتى بها وممّا يؤيّد ما ذكرنا الأخبار الّتي يقدح في سندها بالإرشاد والقطع وأمثالهما ومع ذلك يفتي بها ومنها في باب مقدار للوضوء فإنّه روى حديثا ظاهره استحباب تثنية الغسل فطعن عليه بانقطاع الإسناد ومع ذلك أفتى به نبأ على أنّ المراد منه تحديد الوضوء فتأمل ويؤيّده أيضا ما ذكره في باب الصّلاة في شهر رمضان وممّن روى الزيادة في التطوّع في شهر رمضان زرعة عن سماعة وهما واقفيان قال سألته عن شهر رمضان إلى أن قال وإنّما أوردت هذا الخبر في هذا الباب مع عدولي عنه وتركي لاستعماله ليعلم النّاظر في كتابي هذا كيف يروى ومن رواه وليعلم من اعتقادي أنّي لا أرى بأسا باستعماله فتدبّر وممّا يؤيّده أنّه كثيرا ما يقول وأخرجت هذه الأخبار مسندة في كتاب فلان هذا ونحو هذا فتأمل وبالجملة المنصف إذا تتبع الفقيه وتأمّل لا يبقى له مجال للتّأمّل فيما ذكرنا وممّا يدل على أنّ الصّحيح عند القدماء ليس بمعنى قطعي الصّدور أنّهم مثل الشيخ وغيره كانوا يعملون بأخبار الآحاد كما أشير إليه في الجملة وسنذكره مبسوطا وظاهر أن ما عملوا به وجعلوه حجّة صحيح عندهم واعترف المحقّقون من المجتهدين والأخباريين بأن الخبر عند القدماء كان على ضربين صحيح وضعيف والظّاهر من كلماتهم ونشير إليه أنّهم كثيرا ما كانوا يقدحون في الحديث بما يوجب الضّعف وعدم الحجيّة وترك العمل به ثمّ يقولون ولو صحّ لكان محمولا على كذا وكذا وأوردنا لك بعض ذلك وسنشير إلى بعض وممّا يدلّ أيضا على ذلك أنّهم كثيرا ما يبنون صحّة حديثهم على الظنون مثل قول شيخهم أو اعتماده عليه أو عدم منعه من العمل به وروايته إيّاه وقد أشرنا إليه وسنشير إليه أيضا وممّا يدلّ عليه أنّ الحديث الّذي له شاهد من الكتاب أو السّنّة مثلا كان عند القدماء صحيحا قطعا ولا خفاء فيه مع أنّه بمجرّد ذلك لا يقطع بالصّدور وبالجملة لو تتبع الإنسان أقوالهم وكتبهم سيّما كتاب الرّجال لم يبق له شك في فساد ما نسب إليهم من كون الصّحيح بمعنى قطعي الصّدور انتهى ما أردنا إيراده في المقام ومنها ما ذكره الأمين الأسترآبادي أيضا من توافق أخبار الأئمّة الثلاثة قدّس الله أرواحهم على صحّة أحاديث كتبهم ولا يقدح في ذلك اشتمال طرق كثيرة منها على من تغير حاله عن الاستقامة إمّا بانتحال المذاهب الفاسدة أو بظهور الكذب