المقطوع به وقريب منه ما لو ادرك العقل بعض جهات الفعل المقتضيه لحسنه او قبحه وشكّ فى وجود جهة فيه تعارض تلك الجهة فانه يحكم بثبوت التكليف على حسبها ولا يعتدّ باحتمال الجهة المعارضة امّا لأصالة عدمها او لحكم العقل بقبح الفعل او التّرك والحال هذه حكما واقعا وان كان مبناه على الظّاهر ولهذا يستحق الذّمّ عليه فى حكمه وان انكشف بعده وجود الجهة المعارضة فيه فان ارتكاب القبيح الظّاهرى قبل انكشاف الخلاف قبيح واقعى كالحرام الظّاهرى الا ترى انّ من علم بوجود السّم فى احد الأنائين فتجرى على تناول احدهما من غير ضرورة مبيحة انّه يستحقّ الذّم بذلك عقلا وان تبين بعد ذلك انّ الذّى تناوله لاسم فيه وحينئذ فيرجع هذا القسم الى القسم السّابق ويتناوله ادلّته ومن هذا الباب حكم العقل بحرمة قتل الكافر والزّانى بذات المحرّم وما اشبه ذلك قيل ورود الشّرع واذا ثبت عندك ممّا حقّقناه انتفاء الملازمة الكلّية بحسب الواقع بين حكم العقل والشّرع فاعلم انّ ذلك يتصوّر امّا بالامر بالحرام العقلى ولو ندبا والنّهى عن الواجب العقلى ولو تنزيها او ندب واجبة او كراهة محرّمه او بالعكس او التكليف باحد احكامه الأربعة فى مباحه او اباحة ما لا يبيحه العقل او اخلاء الواقعة التى حكم العقل فيها بحكم عن جميع الأحكام امّا القسمان الاولان فلا ريب فى امتناعهما بالقياس الى الحكم الواقعى وممّا يدلّ عليه قوله تعالى قل (إِنَّ اللهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشاءِ) وقريب من ذلك النّهى عن المندوب العقلى والامر بالمرجوح العقلى بكلا نوعيهما وامّا البواقى فمحتملة وان كانت قضية ما قرّرنا وقوع بعضها حجة القول بالملازمة امور الاول كما انّ من الواضح انّ العقل يستقلّ بالحكم على بعض الأفعال بانّه حسن او قبيح كذلك من الواضح انّه يستقلّ بالحكم على ما هو حسن عنده انّه حسن عند الشّارع ومطلوب له وما هو قبيح عنده انه قبيح عند الشارع والجواب عنه واضح ممّا مرّ لانّا لا نسلّم انّ العقل يدرك موافقة حكم الشّارع وتكليفه لما ادركه من جهات الفعل مطلقا بل من حيث يدرك انتفاء ما يمنع منه فى نفس التكليف ولو اجماعا كما سبق الثانى اجماع العلماء على انّ العقل احد الأدلّة ولذا يقسّمون الأحكام الى ما يستقل باثباته العقل وما لا يستقل ويمثّلون للقسم الاوّل بوجوب قضاء الدّين وردّ الوديعة ووجوب اللّطف فلو لا قولهم بثبوت بعض الأحكام مع قطع النّظر عن الشّرع لم يستقم ما ذكروه اذ لا طاعة ولا معصية حينئذ والجواب ان هذا البيان لا يقتضى قيام الاجماع على ثبوت الملازمة وانما يقتضى قيامه على ادراك العقل لبعض الأحكام وهذا ممّا لا نزاع لنا فيه الثالث لا ريب فى انّ العقل بفطرته مجبول على استحسان ما ادرك حسنه والالزام بفعله واستكراه ما ادرك قبحه والالزام بتركه وليس ذلك لخصوصيّة فى ذات العقل بل ذلك شان كلّ من انكشف له الواقع وعلى هذا فمتى ادرك العقل حسن شيئ ادرك علم الشّارع به واستحسانه له واذا ادرك قبح شيئ ادرك علم الشّارع به واستكراهه ولا نعنى بالحكم