فقد ذكروا له حدودا عديدة لا يسلم جلّها او كلّها عن الخلل واظهرها ما عرّفه الحاجبى بانّه رفع الحكم الشّرعى بدليل شرعىّ متاخّر واحترز بقيد الشّرعى عن رفع المباح الثّابت بحكم الاصل فانّ رفعه ليس بالنسخ والا لكان ثبوت كل حكم ممّا عدا الإباحة نسخا وليس كذلك وكذا الحال فى رفع ساير الاحكام العقلية الظّاهرية كوجوب تحصيل العلم بالبراءة عن المكلّف به ومنه ترك المباح المشتبه بالحرام وكالتّخيير بين المقدمات البدلية الى غير ذلك من احكامها الظّاهريّة ويخرج بقيد المتاخر عمّا لو تاخّر الرّافع كقوله صم الى آخر الشّهر وجعله العضدي قيدا توضيحيا واختار العلامة هذا الحدّ وزاد عليه قوله على وجه لولاه لكان ثابتا واحترز به عمّا لو نهى عمّا امر به على الإطلاق بعد الإتيان به مرّة فان مقتضاه رفع الحكم السّابق ولا يعدّ نسخا وضعفه ظاهر لأنّ الأمر ان كان للدّوام كان النّهى رافعا له فيكون نسخا وان لم يكن للدّوام كان الحكم مرتفعا بنفس الامتثال فلا يكون الرّفع بالنّهى حتى يتجه دخوله فى الحدّ فصل : اختلفوا في أنّ النسخ هل هو رفع الحكم الشّرعى او بيان لانتهاء امده ولنحرّر اولا محلّ البحث فنقول لا كلام فى انّ وقوع النسخ يستلزم وقوع الأمرين احدهما : ارتفاع الحكم السّابق و [الأمر] الثاني : طريان ضده من أحد الأحكام بناء على عدم جواز خلوّ الفعل من الحكم وانّما يتصوّر النّزاع في مقامين [المقام] الأوّل : انّ ارتفاع الحكم السّابق هل يستند الى طريان الضدّ او الى نفسه بمعنى انّه يزول عند عدم العلّة ويكون طريان الضدّ من المقارنات [المقام] الثاني : انّ الحكم السّابق هل يتناول لما بعد زمن النسخ أيضا بحسب الواقع فلا يرتفع الّا برافع او يختصّ بما قبله وان كان بعمومه متناولا لما بعده بحسب الظّاهر فيرتفع الحكم بنفسه ويكون الناسخ كاشفا عنه اذا عرفت هذا فالحق انّ تحقيق المسألة مبنىّ على تحقيق التكليف فان قلنا بانّ مرجع التّكليف الى الارادة الحقيقية تعين ان يكون النّسخ كاشفا عن ايقاع الحكم بالنّسبة الى زمن النسخ ومفيدا لانقضاء امده والّا لاستلزم البدا وهو محال فى حقّه تعالى وان جعلناه عبارة عن مجرد امر اعتبارى يحدثه المكلّف فى المكلّف به كالزامه به او جعل الحكم فى حقّه بحيث يستحق عليه الصّواب والعقاب او جعلناه اعمّ منه ومن الاوّل فالحقّ انّه يصحّ حينئذ ان يكون النّسخ عبارة عن رفع الحكم الثابت وكيف كان فلا ريب فى امكان النسخ ووقوعه مطلقا وفى خصوص القرآن ولكن يشترط فى ذلك امور [الأمر] الأول : ان يكون النّاسخ والمنسوخ ثابتين بالخطاب الشّرعي فقط ولو كانا او كان احدهما ثابتا بخطاب عقلىّ لم يكن نسخا [الأمر] الثّانى : ان يكون الحكم المنسوخ مستمرا ولو فى الظّاهر بمعنى ان يكون عمومه او اطلاقه متناولا لزمن النسخ ايضا والّا لم يكن نسخا [الأمر] الثالث : ان يتأخر النّاسخ فى الورود عن المنسوخ فلو تقارنا لم يكن نسخا [الأمر] الرّابع : ان يكون الفعل ممّا يصحّ ان يتغيّر جهاته في الحسن والقبح فلو تعيّن جهة حسن كالايمان او جهة قبح كالكفر امتنع ورود النسخ عليه فصل : لا ريب فى جواز النسخ بعد حضور وقت العمل