ما كان يفسده اكثر مما يصلحه ونفس ادلة الاصول فقد تبيّن ممّا ذكر انحصار دليل حرمة العمل بما عد العلم فى امرين وان الآيات والاخبار راجعة الى احدهما احدهما ان العمل بالظنّ والتعبّد به من دون توقيف من الشّارع تشريع محرم بالادلّة الاربعة والآخر ان فيه طرحا لادلة الاصول العمليّة واللفظيّة كالاطلاق والعموم التى اعتبرها الشّارع عند العلم بخلافها اقول ان الظاهر انّ مدار الوجه المذكور على ان العمل بالظن هو الاتيان بالفعل على طبقه على انّ مقتضاه حكم الله وهو حجة والعمل بالظنّ على هذا الوجه تشريع وبدعة واما مجرّد الجريان على مقتضى الظنّ فهو ليس بحرام بل قد يترتّب عليه الثواب كما اذا كان موافقا للاحتياط وينقدح بعد ان الظاهر من اخبار البدعة هو كونها فيما ثبت انّه ليس من الدّين فلا يجرى فيما لم يثبت كونه من الدّين نفيا واثباتا بان الظّاهر كون الفرض فى صورة العامل بالظن عالما بانه لا دليل على اعتباره من جانب الشارع وفى هذه الصّورة اما ان يقال بحرمة الاعتقاد والتّصديق بكون الظنّ الّذى لم يثبت اعتباره معتبرا او بحرمة الفعل المقرون بالتّصديق المذكور كالاستبراء المقرون باعتقاد اعتبار الشّهرة القائمة على وجوبه عند القائل بحجيّة الظّنون الخاصّة لكن التّصديق المذكور ممتنع ممن يعتقد عدم ثبوت الاعتبار من جانب الشارع كيف لا والاذعان والتّصديق بطرفى النقيض محال ولا ريب فى عدم حرمة تصوّر اعتبار الظنّ المذكور والا لكان تصوّر الزناء حراما وكذا الفعل على طبقه مقرونا به نعم لو افتى الشخص بطبق الظنّ المذكور فهو حرام لدخوله فى القول بغير علم بل مثله ما لو فعل الشخص فعلا بطبق الظنّ المذكور بحيث اوجب تعزير الغير وكان الدّاعى له على الفعل هو التّعزير والاضلال كان ابرز ما قام دليل غير معتبر على وجوبه بصورة الواجب بان فعله دائما وهو يهتم بالاتيان به بحيث يذعن بوجوبه كلّ من راى فعله بهذا المنوال منه لحكم العقل بقبحه وان لم يكن من باب البدعة بل لو ارتكب الجاهل المقصّر فعلا من غير اجتهاد ولا تقليد على وجه الوجوب مذعنا به لحدس من عند نفسه دعاه اليه ولم يثبت وجوبه فيمكن القول بالحرمة وعلى هذا المنوال الحال لو تأدّى اجتهاد غير القابل (١) الى امر خلاف الاجماع او خلاف الضّرورة لو قلنا بعدم اختصاص البدعة بخلاف الاجماع وعمومه لخلاف الضّرورة وكذا الحال فى تقليد الاجتهاد المذكور من غير القابل او القابل لكن لا يصدق المبدع على المقلد وان يصدق على فعله البدعة اذ الظّاهر من المبدع من كان تاسيس البدعة منه وبعد ذلك اقول انه يمكن القول بان الشخص لو ارتكب فعلا قام الشّهرة على وجوبه مع عدم اعتبار الشّهرة عنده على سبيل اخطار وجوبه واخطار التقرّب به اى على نيّة الوجوب بناء على كون النيّة هى الاخطار كما اشتهر ثبوت القول به بالاختلاف فى النية على القول بكونها هى الداعى والقول بكونها هى الاخطار لكن الحقّ انه لم يتفق القول بكونها هى الاخطار كما يظهر مما حرّرناه فى الرّسالة المعمولة فى ان النيّة هى الاخطار او الداعى فالعقل يحكم بقبحه الّا انه اندر نادر لا يكاد اتفاق الاقدام عليه من احد فيشكل شمول عمومات البدعة له وقد حرّرنا حال البدعة فى بحث التّسامح فى المندوبات مع ان الظّاهر كونها فيما ثبت انه ليس من الدّين كما انه ليس من باب الافتراء لظهوره فى القول ولا يدلّ الاخبار على حرمته كما انه لم يثبت حرمته بالاجماع ثم ان العمل بالظنّ بناء على كونه موجبا للتشريع فلا يتاتى التشريع بعد ثبوت استقرار طريقة العقلاء على العمل به فى امورهم العادية واحكامهم وجريان طريقتهم على العمل به فى مقام الاطاعة فان الملتزم بفعل ما اخبر بوجوبه بخبر الواحد وترك ما اخبر بحرمته بخبر الواحد لا يعده العقلاء مشرعا بل لا يشكون فى كونه مطيعا فالعقلاء يعدون المخبر به بخبر الواحد من الدين وكذا يعدون المخبر بوجوبه او حرمته بخبر الواحد من جانب المولى حكما لازم الاتباع وقبح التشريع لا يختصّ بالاحكام الشرعيّة بل يجرى فى الاحكام العرفية حيث ان العقلاء يقبحون ويذمون العبد المبدع فى احكام مولاه فلا يتاتى التشريع فى المقام وبالجملة فلا يتاتى صدق التّشريع فى المقام وقبح العمل بالظنّ محلّ المنع وهو العمدة والا فلم يؤخذ فى الاستدلال صدق التشريع والبدعة مع انه لا مجال للتشريع بعد ثبوت اعتبار خبر الواحد بالاخبار والاجماعات المنقولة المتقدّمة وكذا بالعقل كما ياتى وبما سمعت تدرى عدم جريان الاصول العمليّة فى مقابل خبر الواحد حيث انّهما ان كانت من جهة حكم العقل فلا مجال لها بعد استقرار طريقة العقلاء على العمل بخبر الواحد وثبوت اعتبار خبر الواحد وان كانت من جهة الادلّة اللّفظية فهى تندفع بما يدلّ على حجيّة خبر الواحد وامّا الاصول اللفظية كالإطلاق والعموم فلا يتاتى اعتبارها فى مورد المعارضة مع خبر الواحد على تقدير اعتبار الظنّ الشخصى فى ظواهر الالفاظ لعدم حصول الظنّ بالاطلاق والعموم مع مخالفة خبر الواحد بل الظنّ بالعدم
__________________
(١) بالقابل