والاباحة لا الاعم منه ومن الجواز اللااقتضائي ضرورة ان الجواز بهذا المعنى بعد ورود الدليل على الوجوب مما يقطع بارتفاعه فلا يبقى مجال للنزاع في بقائه بعد نسخ الوجوب (اذا عرفت ذلك) فالكلام يقع تارة فى امكان بقاء الجواز ثبوتا واخرى فيما تقتضيه الادلة اثباتا فهنا مقامان (اما المقام الاول) فلا اشكال فى انه لا ملازمة بين ارتفاع الوجوب وارتفاع الجواز وذلك لان الوجوب وان كان امرا بسيطا إلا انه يتضمن مراتب عديدة من حيث اصل الجواز والرجحان الفعلي والالزام وعليه يمكن أن يكون المرتفع بالنسخ خصوص جهة الالزام مع بقاء الرجحان الفعلي غير المانع عن النقيض على حاله كما انه يمكن ارتفاعه بمرتبة رجحانه الفعلي ايضا مع بقاء الجواز اعني تساوي الفعل والترك ويمكن ايضا ارتفاعه حتى بمرتبة جوازه وعليه لا مانع ثبوتا من بقاء كل من مرتبتي الجواز والرجحان بعد ارتفاع الوجوب وبما ان الوجوب حقيقة ذات تشكيك فلا حاجة في اثبات الرجحان الفعلي عند ارتفاع جهة الالزام الى تكلف اقامة الدليل على قيام الفصل الاستحبابي مقامه حيث انه بعد ذهاب مرتبة منه يتحدد قهرا بالمراتب الباقية نظير الحمرة الشديدة التي تزول مرتبة منها فتبقى مرتبة اخرى محدودة بحدها الآخر.
(واما المقام الثاني) فنقول هل مقتضى دليل النسخ ارتفاع الوجوب بجميع مراتبه او بخصوص مرتبة الالزام (قد يقرب الثاني) بان القدر المتيقن من دليل النسخ إنما هو رفع خصوص جهة الالزام وفيما عداها يؤخذ بدليل المنسوخ ويحكم بمقتضاه باستحباب الفعل نظير ما اذا ورد دليل على وجوب شيء ودليل آخر على عدم وجوبه فكما انه يجمع بينهما ويؤخذ بظهور دليل الوجوب فى مطلق الرجحان ويرفع اليد عن ظهوره فى الالزام فليكن المقام كذلك فاذا لم تكن لدليل النسخ دلالة على ازيد من رفع اليد عن الوجوب فيؤخذ بظهور دليل المنسوخ في مطلق الرجحان وبذلك يتم الاستحباب ولا نعني من الاستحباب إلا ذلك (ولكن يرد عليه) ان هذا الجمع إنما يصح فى غير ما يكون أحد الدليلين حاكما على الآخر واما فيهما فلا مجال لهذا الجمع بل لا بد من الاخذ بدليل الحاكم ورفع اليد عن المحكوم وان كان ظهوره اقوى من دليل الحاكم وبما أن في المقام يكون دليل النسخ ناظرا بمدلوله اللفظي الى دليل المنسوخ فلا محالة يكون حاكما عليه فلا يبقى مجال لملاحظة دليل