ومن ذلك إفراد الصديق وجمع الشافعين فى قوله : ((١) فَما لَنا مِنْ شافِعِينَ. وَلا صَدِيقٍ حَمِيمٍ). وحكمته كثرة الشفعاء فى العادة وقلّة الصديق.
قال الزمخشرى (٢) : ألا ترى أنّ الرجل إذا امتحن بإرهاق ظالم نهضت جماعة وافرة من أهل بلده لشفاعته رحمة له ، وإن لم يسبق له بأكثرهم معرفة. وأما الصديق فأعزّ من بيض الأنوق.
ومن ذلك الألباب لم يقع إلا مجموعا ، لأن مفرده ثقيل لفظا.
ومن ذلك مجىء المشرق والمغرب بالإفراد وبالتثنية وبالجمع ؛ فحيث أفردا ، فاعتبارا للجهة ، وحيث ثنّيا فاعتبارا لمشرق الصيف والشتاء ومغربهما ، وحيث جمعا فاعتبارا لتعدّد المطالع فى كل فصل من فصول السنة.
وأما وجه اختصاص كلّ موضع بما وقع فيه ، ففي سورة الرحمن ورد (٣) بالتثنية ؛ لأنّ سياق السورة سياق المزدوجين ، فإنه سبحانه ذكر أولا نوعى الإيجاد وهما الخلق والتعليم ، ثم ذكر سراجى العالم : الشمس والقمر ، ثم نوعى النبات : ما كان على ساق وما لا ساق له ، وهما النّجم والشّجر ، ثم نوعى السماء والأرض ، [٣٢٢ ا] ثم نوعى العدل والظلم ، ثم نوعى الخارج من ارض وهما الحبوب والرياحين ، ثم نوعى المكلّفين وهما الإنس والجان ، ثم نوعى البحر : العذب والملح ، فلهذا حسن تثنية المشرق والمغرب فى هذه السورة وجمعا فى قوله : ((٤) فَلا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشارِقِ وَالْمَغارِبِ. إِنَّا لَقادِرُونَ). وفى سورة الصافات (٥) للدلالة على سعة القدرة والعظمة.
__________________
(١) الشعراء : ١٠٠ ، ١٠١
(٢) الكشاف : ٢ ـ ١٢٧
(٣) فى الاتقان : وقع.
(٤) المعارج : ٤٠
(٥) الصافات : رب السموات والأرض وما بينهما ورب المشارق.