ومعنوى ؛ وهو أنّ تمام الرحمة هناك إنما تحصل بوحدة الريح لا باختلافها ؛ فإنّ السفينة لا تسير إلا بريح واحدة من وجه واحد ، فإذا اختلفت عليها الرياح كان سبب الهلاك ، والمطلوب هنا ريح واحدة ، ولهذا أكّد هذا المعنى بوصفها بالطيب ؛ وعلى ذلك أيضا جرى قوله : ((١) إِنْ يَشَأْ يُسْكِنِ الرِّيحَ فَيَظْلَلْنَ رَواكِدَ عَلى ظَهْرِهِ). وقال ابن المنير : إنه على القاعدة لأنّ سكون الريح عذاب وشدة على أصحاب السفن.
ومن ذلك إفراد النور وجمع الظلمات ، وإفراد سبيل الحق وجمع سبيل الباطل ، فى قوله : ((٢) وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ) ؛ لأنّ طريق الحقّ واحدة ، وطرق الباطل متشعبة متعددة ، والظلمات بمنزلة طرق الباطل ، والنور بمنزلة طريق الحق ؛ بل هما هما ؛ ولهذا وحّد ولى المؤمنين ، وجمع أولياء الكفار لتعدّدهم فى قوله : (اللهُ وَلِيُ (٣) الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ ، وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِياؤُهُمُ ...) الآية.
ومن ذلك إفراد النار حيث وقعت والجنة حيث وقعت مجموعة ومفردة ؛ لأن الجنان مختلفة الأنواع ، فحسن جمعها ، والنار مادة واحدة ، ولأن الجنة رحمة والنار عذاب ، فناسب جمع الأولى وإفراد الثانية على حدّ الرياح والريح.
ومن ذلك إفراد السمع وجمع البصر ؛ لأنّ السمع غلب عليه المصدرية ، فأفرد ، بخلاف البصر ، فإنه اشتهر فى الجارحة ، ولأن متعلّق السمع الأصوات ، وهى حقيقة واحدة ، ومتعلق البصر الألوان والأكوان وهى حقائق مختلفة ، فأشار فى كل منهما إلى متعلقه.
__________________
(١) الشورى : ٣٣
(٢) الأنعام : ١٥٣
(٣) البقرة : ٢٥٧