اجتمعا فى قوله : ((١) إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتابِ اللهِ) ... إلى أن قال : (مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ) ، فأعاد (مِنْها) بصيغة الإفراد على الشهور وهى للكثرة ، ثم قال : ((٢) فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ) فأعاده جمعا على (أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ) وهى للقلّة.
وذكر الفراء لهذه القاعدة سرّا لطيفا ؛ وهو أنّ المميّز مع جمع الكثرة ـ وهو ما زاد على العشرة ـ لما كان واحدا وحّد الضمير ، ومع القلّة ، وهو العشرة وما دونها ، لمّا كان جمعا جمع الضمير.
قاعدة
إذا اجتمع فى الضمائر مراعاة اللّفظ والمعنى بدئ باللفظ ثمّ بالمعنى ، هذا هو الجادّة فى القرآن ؛ قال تعالى : ((٣) وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ) ، ثم قال : ((٤) وَما هُمْ بِمُؤْمِنِينَ). أفرد أوّلا باعتبار اللفظ ، ثم جمع باعتبار المعنى. وكذا : ((٥) وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ ، وَجَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً). ((٦) وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلا تَفْتِنِّي أَلا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا). قال الشيخ علم الدين العراقى : ولم يجيء فى القرآن البداءة بالحمل على المعنى إلا فى موضع واحد ، وهو قوله تعالى : ((٧) وَقالُوا ما فِي بُطُونِ هذِهِ الْأَنْعامِ خالِصَةٌ لِذُكُورِنا) ، فأنّث خالصة حملا على معنى ما ثم راعى اللفظ فذكّر فقال : (وَمُحَرَّمٌ).
قال ابن الحاجب فى أماليه : إذا حمل على اللفظ جاز الحمل بعده على المعنى ، وإذا حمل على المعنى ضعف الحمل بعده على اللفظ ؛ لأن المعنى أقوى ، فلا يبعد الرجوع إليه بعد اعتبار اللفظ ، ويضعف بعد اعتبار المعنى القوىّ الرجوع إلى الأضعف.
__________________
(١) التوبة : ٣٦
(٢) التوبة : ٣٦
(٣) البقرة : ٨
(٤) البقرة : ٨
(٥) الأنعام : ٢٥
(٦) التوبة : ٤٩
(٧) الأنعام : ١٣٩