إنّ موسى وهارون لم يكونا فى التّيه ؛ لقوله : فافرق بيننا وبين القوم الفاسقين. وخرج يوشع ببنى إسرائيل بعد الأربعين سنة ، وقاتل الجبّارين ، وفتح المدينة. والعامل فى أربعين محرّمة ـ على الأصح ؛ فيجب وصله معه. وقيل العامل فيه يتيهون ؛ فعلى هذا يجوز الوقف على قوله : " محرّمة عليهم". وهذا ضعيف ؛ لأنه لا حامل على تقديم المعمول هنا ، مع أنّ القول الأول أكمل معنى ؛ لأنه بيان لمدة التحريم والتّيه معا.
(فَلا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ)(١) ؛ أى لا تحزن على من فسق منهم يا محمد ، لإنكارهم هذه القصص فى كتابك ، مع علمهم بها فى كتبهم. وقيل الخطاب لموسى.
(فَكَأَنَّما قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً)(٢) : تمثيل قاتل الواحد بقاتل الجمع يتصوّر من ثلاث جهات : إحداها : القصاص فى قتل الواحد والجمع سواء. والثانى : انتهاك الحرمة ، والإقدام على العصيان. والثالث : الإثم والعذاب الأخروىّ.
قال مجاهد : إنّ الله وعد قاتل النفس بجهنّم والخلود فيها ، والغضب واللعنة ، والعذاب العظيم. فإن قتل جميع الناس لم يزد على ذلك. وهذا الوجه هو الأظهر ؛ لأنّ القصد بالآية تعظيم قتل النفس ، والتشديد فيه ؛ ليزدجر الناس عنه. وكذلك الثواب فى إحيائها كثواب إحياء الجميع ، لتعظيم الأمر والترغيب فيه. وإحياؤها هنا إنقاذها من الموت ، كإنقاذ الغريق وشبهه. وقيل بترك قتلها. وقيل بالعفو إذا وجب القصاص.
(فَمَنْ تابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ)(٣) : توبة السارق [٢٢٦ ب] هى أن يندم على ما مضى ، ويقلع فيما يستقبل ، ويردّ ما سرق إلى من يستحقّه.
__________________
(١) المائدة : ٢٦
(٢) المائدة : ٣٢
(٣) المائدة : ٣٩