(فَاطَّهَّرُوا)(١) : هذا أمر بالغسل لمن وجب عليه ؛ وفيه إجمال ، بخلاف الوضوء ، فإنما فصّله لأنه من خصائص هذه الأمة ، ولم يكونوا يعرفونه ، بخلاف الغسل ، فإنما علموه مما تقدم. وبهذا أمر الله الأمم المتقدمة ، وسرّه ليذوق الإنسان وبال ما أصابه من اللذة فى الوقاع ، وأن الدنيا لا تخلو من كدر ، وفيه معنى النظافة ؛ ولهذا لا ينبغى للانسان أن تمرّ عليه جمعة إلا ويغتسل فيها مرة ، مع أنه يكفّر السيئات ، ويرفع الدرجات ؛ وقد صحّ أنه يكفّر بعدد شعر جسده من السيئات.
فإن قلت : ما معنى الحديث : هذا وضوئى ووضوء الأنبياء قبلى لمّا غسل الأعضاء ثلاثا؟ مع قولكم : إنه من خصائص هذه الأمة؟
والجواب أنه كان من خصوصية الأنبياء لا أممهم ، لما قدمناه من أنّ الله أراد بذلك تطهيرهم ؛ ولهذا تقول الأنبياء والأمم يوم القيامة : كادت هذه الأمة أن تكون كلّها أنبياء ؛ فما أشرفها من أمة نبىّ كريم! (فَأَغْرَيْنا)(٢) ؛ أى أثبتنا وألصقنا ، وهو مأخوذ من (٣) الغراء.
(فَتْرَةٍ)(٤) : سكون وانقطاع ؛ لأنه صلىاللهعليهوسلم بعث بعد انقطاع الرسل ؛ لأنها كانت متواترة ، كلّما جاء أمة رسولها عذّبوه إلى وقت رفع عيسى ، فانقطعت الرسل إكراما لهذا النبى الكريم.
(فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ)(٥) : ردّ عليهم ؛ لأنهم قد اعترفوا [٢٢٦ ا] أنهم أبناء الله وأحبّاؤه ، فردّ الله عليهم أنه يعذبهم وينتقم منهم ، والأب
__________________
(١) المائدة : ٦
(٢) المائدة : ١٤
(٣) وهو ما يلصق الشيء بالشىء ، كالصمغ وغيره (القرطبى : ٦ ـ ١١٧).
(٤) المائدة : ١٩
(٥) المائدة : ١٨