فالجواب : بوجهين : الأول أنّ الظلّ حالة كونه عن يمين الناظر ، وذلك أول النهار ، يأخذ فى النقص ، فكانت له جهة واحدة نقص عنها ، وفى آخر النهار يأخذ فى الزيادة إلى الشمال والجهة التى طال ظلّه إليها لم تكن له قبل ذلك ، وكلما زاد بعد إلى جهة يسار الناظر ، فكأنّ تلك الزيادة بتكثّرها واختلافها شمائل ، بخلاف أول النهار فإنه لم يزد ، بل نقص عن حدّه الذى كان ، فصار كأنه بعض [٣٠٣ ب] اليمين ، فضلا عن أن يكون أيمان.
الوجه الثانى أنّ اليمين مأخوذ من اليمين ؛ وذلك راجع إلى طريق الحق ؛ والشمال راجع إلى طريق الباطل بدليل قوله تعالى : ((١) أَصْحابُ الْيَمِينِ ما أَصْحابُ الْيَمِينِ). ((٢) وَأَصْحابُ الشِّمالِ ما أَصْحابُ الشِّمالِ). وطريق الحقّ واحدة وطرق الباطل متعددة ، والآية دالّة على كمال التوحيد لله عزوجل ؛ لأن مذهبنا أنّ الأعراض لا تبقى زمانين ، فما من جوهر إلا وهو مفتقر فى كلّ زمن إلى أعراض يستمد بها ؛ ولا بدّ لذلك من فاعل ، ولا يصح تعدّد ذلك الفاعل لما تقرّر فى دلالة التمانع.
فإن قلت : هلا قيل : أو لم يروا إلى ما خلق من شىء ـ فقط ، ويكفى هذا فى الاعتبار ؛ فإنّ العبرة بالتفكر بالنظر إلى لقاح الشجرة التى فى رؤية العين : عود يابس ؛ وبروز الثمر منها والورق أقوى من العبرة بالنظر إلى ظلالها.
والجواب : أنّ الظلال إنما تنشأ عن ملاقاة نور جرم الشمس جرم الشجر الكثيف المظلم.
__________________
(١) الواقعة : ٢٧
(٢) الواقعة : ٤١