((١) يَتَفَيَّؤُا ظِلالُهُ عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمائِلِ سُجَّداً لِلَّهِ) : المقصود بهذه الآية الاعتبار والنظر ؛ ولذلك ابتدأها بقوله تعالى : (أَوَلَمْ يَرَوْا إِلى ما خَلَقَ اللهُ مِنْ شَيْءٍ). والرؤية بصرية بسبب تعدّيها بإلى ، كما قال تعالى : ((٢) أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ) ، والإنكار ليس هو لنفس الرؤية ، بل للازمها. وانظر هل وقع التوقيف بمجموع تفيؤ الظلال وكونها سجّد الله ، أو بكونها سجّد الله فقط؟ وهل قوله : يتفيّأ ظلاله حال أو صفة ، ونظيره قولك : ألم آتك بزيد العالم راكبا ، وقوله : ألم آتك يزيد عالما راكبا. والصواب الأول ، لأنّ نفيها أمر حسىّ مشاهد ، وكونها سجدا لله لا يدرك بالمشاهدة ، بل بالدليل العقلى. وعلى هذا التأويل تكون الآية حجة لمن يقول : إنّ العرض لا وجود له. والمشهور عند المتكلمين أنه أمر وجودى ، حكى القولين المقترح.
ووجه الدليل أنّ الآية دلّت على أنّ كل شىء مخلوق لله تعالى ؛ وأن ظله متفيّأ ساجد لله تعالى ، والتفيؤ من صفات الأجرام والذوات ، والعرض ليس بذات ، فليس بمخلوق لله تعالى ، وهذا كفر ؛ وإذا جعلنا يتفيأ صفة لشىء يكون المعنى إن كلّ شىء موصوف بالتفيؤ ، فهو مخلوق لله ، فأنكر عليهم عدم الاعتبار به حال سجوده ، وقوله يتفيأ ؛ أى يرجع إلى اليمين ؛ أى يريد يمين الناظر إليه لأن الناظر إلى الظل أو النهار ينظر إلى جهة القبلة ، حيث محلّ طلوع الشمس ، فيكون الظلّ حينئذ عن يمينه ، فلذلك بدأ باليمين ، فالظلّ يرجع عن جهة اليمين إلى جهة الشمال ؛ لأن «عن» تقتضى المجاوزة ، فالمراد مجاوزة جهة اليمين إلى جهة الشمال ، والعكس.
فإن قلت : لم أفرد اليمين وجمع الشمال؟
__________________
(١) النحل : ٤٨
(٢) الغاشية : ١٧