قررته الشريعة ، وأكّدت فيه ، وكان من القوى عندهم الملتزم قدّم الله تعالى النهى عن طاعتهما فى قوله تعالى : (وَوَصَّيْنَا) على معنى إنا لا نخلّ ببر الوالدين ، لكنا لا نسلط على طاعة الله تعالى ، لا سيما فى معنى الإيمان والكفر. وحسنا : يحتمل أن ينتصب على المفعول ، وفى ذلك تجوّز ، ويسهّله كونه عامّا لمعان ، كما تقول : وصيتك خيرا ، ووصيتك شرّا ؛ عبّر بذلك عن جملة ما قلت له ، ويحسن ذلك دون حرف الجر فى قوله : بوالديه ؛ لأن المعنى : ووصينا الإنسان بالحسنى فى فعله مع والديه. والجمهور على ضمّ الحاء وسكون السين. وقرئ إحسانا ، ويحتمل أن يكون مصدرا من معنى وصّينا ، أى وصينا وصية حسنة ، وعبّر عن أمر الوالدين بالجهاد مبالغة ، فمن أمره أحد أبويه بفعل شىء فيه رضا الله ، فيقدم أمرهما إذا لم يخل بشيء من طاعة الله ، فإن أخلّ فأمر الله مقدّم ؛ إذ لا طاعة لمخلوق فى معصية الخالق.
وإنما قال فى هذه السورة : ((١) لِتُشْرِكَ) ، لأنه وافق ما قبله لفظا ، وهو قوله (٢) : (وَمَنْ جاهَدَ فَإِنَّما يُجاهِدُ لِنَفْسِهِ). وفى لقمان (٣) محمول على المعنى ؛ لأن التقدير وإن حملاك على أن تشرك.
وقيل : إن هذه الآية مبنية على الإيجاز ؛ فناسب ذلك الاكتفاء باللام ، وآية لقمان مبنية على الإطالة ، فناسب ذلك التعدية بعلى ؛ وإنما أمره بالرفق فى آية لقمان بقوله : ((٤) وَصاحِبْهُما فِي الدُّنْيا مَعْرُوفاً) ؛ لأن مبنى الآية على الأمر بما يفعل بهما ومعهما من غير تقدّم مطلب لهما ، ووجه ختم هذه الآية بالرجوع إلى الله تحذير من طاعتهما فى الشرك ، وإبلاغ فى النهى عن الصّغو إليهما فى ذلك إلى الغاية لئلا يظنّ أن ذلك كآية الإكراه كما تقدم ، ولما لم يقع فى آية
__________________
(١) العنكبوت : ٨
(٢) العنكبوت : ٦
(٣) لقمان : ١٥
(٤) لقمان : ١٥