فإن قلت : قد قلتم إنّ دعاء الشركاء على جهة التعجيز ، والمشركون يعلمون أنّ الشركاء لا يجيبون ، لأن الموطن ظهور الحق وانكشاف الأمور فلم دعوا شركاءهم؟
والجواب : ليظهر عجزهم عن إجابة للدعوة على رءوس الأشهاد ، وتقوم عليهم بذلك الحجة ، فسبحانه ما أعظمه من لطيف يحبّ المعاذير وإظهار الحق ، ينطق الجمادات والجوارح على المخلوقات حتى لا يجد الإنسان فرارا من قضائه وقيام الحجة عليه.
فإن قلت : كيف الجمع بين قولهم (١) : (أَغْوَيْناهُمْ) ، وبين قولهم (٢) : (تَبَرَّأْنا إِلَيْكَ) ؛ فإنهم اعترفوا بإغوائهم ، وتبرءوا مع ذلك منهم؟
والجواب أنّ إغواءهم لهم هو أمرهم لهم بالشرك. والمعنى إنا حملناهم على الشرك كما حملنا أنفسنا عليه ، ولكن لم يكونوا يعبدوننا ، وإنما كانوا يعبدون الأصنام وغيرها ، فتبرّأنا إليك من عبادتهم لنا ؛ فتحصّل من كلام هؤلاء الرؤساء أنهم اعترفوا أنهم أغووا الضعفاء وتبرّءوا من أن يكونوا هم آلهتهم ، فلا تناقض فى الكلام.
(وَوَصَّيْنَا (٣) الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ حُسْناً ، وَإِنْ جاهَداكَ لِتُشْرِكَ بِي) : اختلف فى سبب نزول هذه الآية على أقوال ؛ والظاهر منها عمومها فيمن كان بمكة من المؤمنين يشقى بجهاد أبويه فى شأن الإسلام أو الهجرة ، فكان القصد بهذه الآية النهى عن طاعة الأبوين فى مثل هذا لعظم الأمر ، وكثرة الخطر فيه ، مع الله تعالى ، ثم إنه لما كان برّ الوالدين وطاعتهما من الأمر الذى
__________________
(١) القصص : ٦٣
(٢) القصص : ٦٣
(٣) العنكبوت : ٨