لا يسأل المجرمون عن ذنوب من تقدمهم من الأمم الهالكة ؛ لأن كل أحد إنما يسأل عن ذنوبه خاصة.
ويحتمل أن يكون إخبارا عن حال المجرمين فى الآخرة ، وأنهم لا يسألون فيها عن ذنوبهم ، لأنهم يدخلون النار من غير حساب.
وردّ بقوله تعالى : (فَوَ رَبِّكَ (١) لَنَسْئَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ). وأجاب بعضهم عن هذا بأن السؤال المنفى على وجه الاستخبار وطلب التعريف ، لأنه لا يحتاج إلى سؤالهم على هذا الوجه ، لكن يسألون على وجه التوبيخ ، وحيثما ورد فى القرآن إثبات القول فى الآخرة فهو على معنى المحاسبة والتوبيخ ، وحيثما ورد نفيه فهو على وجه الاستخبار والتعريف ، ومنه قوله (٢) : (فَيَوْمَئِذٍ لا يُسْئَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلا جَانٌّ).
(وَادْعُ (٣) إِلى رَبِّكَ) : يحتمل أن يكون من الدّعاء بمعنى الرغبة ، أو من دعوة الناس إلى الإيمان بالله ، فالمفعول محذوف على هذا ، تقديره ادع الناس.
فانظر كيف أمر الله رسوله بدعاء الناس إليه ، وخصص الهداية لإجابته ، فالدعوة عامة ، والهدى خاص. وقد دعا الله عباده فى الدنيا بقوله (٤) : (وَاللهُ يَدْعُوا إِلى دارِ السَّلامِ). (يَدْعُوكُمْ (٥) لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ). وفى الآخرة بقوله (٦) : (يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ). (يَوْمَ (٧) نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ). فما هذا التقاعس بعد هذا الدعاء إلا من العمى ، وأعظم من العمى ، وأعظم من المخالفة والاستجابة غفلتنا عن الاستغفار ، والضحك والاغترار والتهاون والاستكبار ؛ قال تعالى (٨) : (وَكُنْتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ).
__________________
(١) الحجر ٩٢
(٢) الرحمن : ٣٩
(٣) القصص : ٨٧
(٤) يونس : ٢٥
(٥) إبراهيم : ١٠
(٦) الإسراء : ٥٢
(٧) الاسراء : ٧١
(٨) المؤمنون : ١١٠