حتى يقال : إن العرب لما أكثرت من لحوم الإبل حصل عندها فرط الإيثار بأقواتها ، لأن ذلك شأن الإبل ، فيجوع الجميع من الإبل الأيام الكثيرة ، ثم يوضع لها ما تأكله مجتمعة فيضع كلّ منها فمه فيتناول منها حاجته من غير مدافعة عن ذلك الحبّ ، ولا يطرد من يأكل معه ، ولا تزال الإبل تأكل علفها كذلك بالرّفق حتى يفنى جميعا من غير مدافعة بعضها بعضا ، بل معرضة عن ذلك ؛ وعن مقدار ما أكله غيرها ممن يجاورها.
وغيرها من الحيوانات تقتتل عند الأغذية على حوز الغذاء ، وتمنع من يأكلها معها أن يتناول شيئا ؛ وذلك مشاهد فى السباع والكلاب والأغنام وغيرها.
فانتقل ذلك لخلق الأعراب ، فحصل عندهم من الإيثار للضيف ما لم يحصل عند غيرهم من الأمم ، كما أنه حصل عندهم أيضا الحقد ؛ لأن الجمل يأخذ ثأره ممن آذاه بعد مدة طويلة ، ولا يزول ذلك من خاطره حتى يقال : إن أربعا أكلت أربعا ، فأورثهم أربعا ؛ أكلت العرب الإبل فأفادتها الكرم والحقد. وأكلت السودان القردة فأفادتها الرقص. وأكلت الفرنج الخنزير فأفادتها عدم الغيرة. وأكلت الترك الخيل فأفادتها القساوة.
فإذا تقرر هذا فهذه السباع فى غاية الظلم وقلّة الرحمة تأكل الحيوانات من غير اكتراث واهتمام بها ، بل تفسد تبيعها وتقطع لحومها ، ولا تبالى بما تجده من الألم فى تمزيق أعضائها ، وتثب على ذلك وثوبا شديدا من غير توقّف لذلك فى حاجة ولغير حاجة ؛ وذلك لفرط ظلمها ، وقلّة الرحمة ؛ تأكل الحيوانات من غير اكتراث ، وذلك متوفّر فى سباع الوحش أكثر منه فى سباع الطير ، فأين الأسد من العقاب والصقر؟ وأين النمر والقهد والسبع وغيرها من الحيوانات من الحدأ والغربان ونحوها؟ فلما عظمت المفسدة والظلم فى سباع الوحش حرمت لئلا يتناولها بنو آدم فتصير أخلاقهم كذلك ، ولما قصرت مفسدة سباع الطير عن ذلك فمن الفقهاء من نهض عنده ذلك للتحريم دفعا لمفسدة