وهى أدنى من خلقه السموات والأرض؟ ومن المعلوم الاستدلال بأعظم المخلوقات أقوى.
فالجواب لاعتناء العرب بها ؛ إذ كانت معايشهم فى الغالب منها فى شرب ألبانها ، وهى أكثر المواشى فى بلادهم ، وأيضا لما فى خلقها من الاعتبار ، لأنها فى خلقتها دالّة على وحدانية خالقها ، شاهدة بتدبير منشئها وحكمته ، حيث خلقها للنهوض بالأثقال ، وجعلها تبرك حيث تحمل عن قرب ويسر ثم تنهض بما حملت ، وسخّرها منقادة لكل من يقودها بأزمتها ، حتى حكى أن فأرة قادت ناقة لا تمارى ضعيفا ، ولا تمانع صغيرا ، وبراها (١) طوال الأعناق لتنوء بالأوقار.
وعن بعض الحكماء أنه لما حدّث عن البعير وبديع خلقه ، وقد نشأ في بلاد لا إبل فيها ، ففكر ثم قال : يوشك أن تكون طوال الاعناق وصلة إلى العقدة التى جعل الله فى صدرها جامعة للأعصاب ، ومثلها فى أعالى ظهورها ، كلّ ذلك زيادة فى قواها ، وحين أراد بها أن تكون سفائن البر صبرها على احتمال العطش حتى أن إضمارها ليرتفع إلى العشر فصاعدا ، وجعلها ترعى كلّ شىء نابت فى البرارى والمفاوز مما لا يرعاه سائر الحيوان ، فهى يسيرة المئونة ؛ ولذلك قال صلىاللهعليهوسلم : الإبل عزّ لأهلها ، والغنم بركة ، والخيل معقود بنواصيها الخير إلى يوم القيامة ؛ وكان شريح القاضى يقول لأصحابه : اخرجوا بنا إلى الكناسة حتى ننظر إلى الإبل كيف خلقت.
قال القرافى فى فروقه : أعلم أنّ النواهى تعتمد المفاسد ، كما أنّ الأوامر تعتمد المصالح ، فما حرّم الله تعالى شيئا إلا لمفسدة ، وما أمر بشيء إلا لمصلحة تحصل من تناوله.
وقد أجرى الله تعالى أن الأغذية تنقل الأخلاق لخلق الحيوان المغذّى به
__________________
(١) براها : خلقها.