لما لحقه من الدهش ، وأخذ برأس أخيه هارون يجرّه ، لأنه ظن أنه فرّط فى كفّ
الذين عبدوا العجل ؛ فقال : (ابْنَ أُمَّ ، إِنَّ
الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكادُوا يَقْتُلُونَنِي ...) الآية ، فسكن حينئذ موسى. وإنما دعاه هارون بأمّه ؛
لأنه أدعى إلى العطف والحنوّ. وقرئ ابن أم بالكسر على الإضافة إلى ياء المتكلم
وحذفت الياء ؛ وبالفتح تشبيها بخمسة عشر ، جعل الاسمان اسما واحدا.
وفى الآية
تنبيه على أنّ الغضب لله من النصرة لدين الله ، فلا يغفل المرء عن الحبّ فى الله
والبغض فى الله. وإنما غضب موسى على من ظنّ منه الإفادة والانتهاء عما هو فيه.
وأما من ظن عدم ذلك فلا ينبغى إلا هجرانه وطرده.
ولعمرى هل فيك
نفحة من هذه النفحات فتغضب على أهلك وولدك وما ملكت يمينك إذا رأيتهم خالفوا أمر
ربهم؟ كلّا لو فهموا منك تغضّبا لترك دينهم كما تغضب عليهم إذا ضيّعوا دنياك
لانتهوا ، ولكنك لا تغضب عليهم لعدم صدقك مع الله فلم يزيدوا إلا طغيانا كبيرا.
(سَيَّارَةٌ) : قوم مسافرون.
وروى أنّ
السيارة التى أخرجت يوسف كانت من مدين. وقيل أعراب السيارة طلبوا الماء فوجدوا
يوسف. وسليمان طلب السمكة فوجد الخاتم ، وموسى طلب النار فوجد الجبّار. وأنت يا
عبد الله ؛ هلّا ترى شبكة الندامة فى بحر الاستغفار وتصطاد لنفسك الضعيفة حوت
السلامة من الفرقة والقطيعة ، فإن كنت أحذق فعليك بالأوفق ؛ لا يشغلك شاغل عن
الطاعة بجهد الاستطاعة ، فإن وقعت فى ظلمة أو وحلة يخرجك كما أخرج يوسف ، وإن
صيّره ملكا فيصيّرك ملكا كريما فى دار ضيافته ، ويكشف لك عن كمال ذاته ، فتنظر إلى
جماله.
__________________