بئس العبيد أنتم إذا علمتم أنكم لا تنالون ما تريدون إلا بترك ما تشتهون ، ولا تبلغون ما تأملون إلا بصبركم على ما تكرهون ؛ تريدون مرافقة النبيين والصديقين والشهداء والصالحين ، بأى عمل عملتموه؟ بأى غيظ كظمتموه؟ بأى رحم وصلتموه؟ بأى قريب باعدتموه؟ بأىّ بعيد قرّبتموه؟ وبأى زلة لإخوانكم عفوتم عنها؟ بأى شهوة تركتموها؟ هل أنتم إلا كالحمقى؟ أما علمتم أن من كثر شبعه كثر لحمه ، ومن كثر لحمه كثرت شهوته ، ومن كثرت شهوته كثرت ذنوبه ، ومن كثرت ذنوبه قسا قلبه ، ومن قسا قلبه غرق فى الآفات؟ أما علمتم أن المسيء ميت وإن كان فى منازل الأحياء ، والمحسن حىّ وإن انتقل إلى منازل الأموات."
(فَوْجٌ)(١) : مفرد أفواج ، وهى الجماعة من الناس.
(فَطَرَنِي)(٢) ؛ أى خلقه ابتداء ؛ ومنه فاطر السموات والأرض ، وفطرة الله التى فطر الناس عليها. وأفطر بالألف من الإطعام.
(فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ)(٣) : هذا من قول موسى إلى فرعون ، يعنى إن كان موسى كاذبا فى دعوى الرسالة فلا يضرّكم كذبه ، فلأى شىء تقتلونه؟
فإن قلت : كيف قال : وإن يك كاذبا ـ بعد إيمانه به؟
فالجواب أنه لم يقل ذلك على وجه التكذيب ؛ وإنما قاله على وجه زعمكم أنه كاذب ، وقصد بذلك المحاجّة عليهم. وفيه احتجاج عليهم ، كأنه قال : قدّرنا كذبه ، ما ذا عليكم من كذبه ، هبه رجلا منكم كذب عليكم ، فأقام عليهم الحجة على تقدير الكذب والصدق.
__________________
(١) ص : ٥٩
(٢) يس : ٢٢
(٣) غافر : ٢٨